المجموعة الشعرية "نزول الألفة" لعلي شمس الدين.. دعوة مفتوحة للحالمين المتعبين
المجموعة الشعرية "نزول الألفة" لعلي شمس الدين.. دعوة مفتوحة للحالمين المتعبينالمجموعة الشعرية "نزول الألفة" لعلي شمس الدين.. دعوة مفتوحة للحالمين المتعبين

المجموعة الشعرية "نزول الألفة" لعلي شمس الدين.. دعوة مفتوحة للحالمين المتعبين

يقارن الشاعر اللبناني علي شمس الدين بين صورة الماضي والحاضر الإنسان، بمفارقات ومشاهد ملهمة تتناول التقاطات لرحلة المرء المحزنة مع الواقع، ومع الآخرين، خلال مجموعته الشعرية "نزول الألفة" الصادرة عن دار النهضة العربية 2022.

وتتضمن المجموعة العديد من التساؤلات الإنسانية والحالات الشعورية مع الحياة، حيث يستطرد الشاعر في وصف التعب، وغفلة الإنسان مع الزمن، الذي يمضي العمر سريعًا، مستنفدا طاقة الإنسان ومقدراته.

كما تلوح في القصائد تأملات نهاية العمر، وشعور الإنسان الملازم باقتراب الرحيل، لكن يعود الشاعر ليرصد اللحظة المؤجلة دومًا مع الموت: "نجونا من الموت وأقمنا في النسيان".

وفي القصائد دعوة مفتوحة للحالمين المتعبين، الذين أرهقت الحياة عيونهم، بأن يهربوا بذكرياتهم وأحلامهم وحتى أحزانهم، نحو الماضي، ونسيان منغصات الواقع والرتابة.

التذكر

تكشف المجموعة عن مأساة الإنسان مع التذكر، وعبء الوعي الثقيل على الإنسان، وبدت مفاهيم القصائد في معظمها تركز على المونولوج الداخلي، حيث الصوت الإنساني المتسم بالهمس تارة، والصراخ مرة أخرى، وما بينهما من مشاعر رطبة.

ولا تتوقف القصائد عند الصوت الخافت للمرء مع الطبيعة، بل هنالك ثورة حسية ومشاهد عواء في مراقبته لمشاهد القتل الباردة والساخنة من الإنسان للآخر، خلال الحرب السورية 2013.

2022-08-FB_IMG_1659255911353
2022-08-FB_IMG_1659255911353

حوارية ذاتية

ويعتمد الشاعر على الحوارية الذاتية والتوصيف المغرق بالتفاصيل حول الصورة، معززا حضور النص، بعمق المجاز والتأمل الدقيق للحدث أو الحركة.

وتقدم المجموعة ذاتها عبر لغة سلسة، متماسكة، حيث اتبع الشاعر التكثيف المتقن، وحذف الحشو رغم ذكره التفاصيل وأدوات المكان والزمن.

وبدت لغة الشاعر محاكية للقارئ، من خلال استخدامه أساليب النفي والاستدراك والنهي. كما اعتمد التلميح للصورة النقيضة في الوعي، بمجرد ذكره الصورة التي التقطها، وهو ما يصنع الحراك الفكري والعاطفي المرجو من قصيدة النثر.

خارج المشهد

وتبدو تأملات الشاعر متسمة بالنضج، والتأمل الشديد، وكأنما يقرأ الأحداث من خارج المشهد، الذي سبق أن جرّب أن يكون جزءًا منه.

ومن خلال المفردات، يتضح قرب الشاعر من الطبيعة، بجزئياتها الصغيرة، وأصواتها، وحركتها المستمرة.

مشاركة

لكن، يربط الشاعر بين ذلك كله والحس الإنساني، من خلال اعتبار الطبيعة والإنسان يعيشان بالمشاركة، عبر اعتماد أنسنة الجامد من الطبيعة، وإكسابه الحواس والوعي، كما وهب الأشياء ملكة الكلام والتفكير، معبرا عن مدى تداخل الإنسان مع الأشياء، وملمحا إلى فناء كليهما في حال التفرد.

ويصنع الشاعر بناءً على إحساسه بالمكونات من حوله، سيرة صغيرة مع الماضي، يتذكر فيها اللحظات الفارقة في الحياة مع الأحباب والآخرين، ملمحا إلى اكتظاظ الحياة بالزوال والتساقط عبر تكرار الخريف، والحدود المتراكمة بين الإنسان والآخرين.

يكتب شمس الدين: في نص "أكثرُ من فصل":

لم أكن أدري جليّا أن الخريف
أكثر من فصل،
وأن الأشجار العارية والأوراق المتساقطة،
والمطر المتقطع،
كلها خطوط عرض وطول
للغرف المتجاورة.

أسمع الأحلام تخرج
من فم الأبواب،
يحركها مرورنا بين الغرف،
تلامس الجدران،
تحوم حول صورنا المعلقة في الممشى.

وأسمع الأشياء تتهامس في ما بينها عنا،
تتمتم بهمس مقتضب.
وأسمع تناوبَ عواءِ روح
ونباحِ شَكْلٍ،
متقابليْن بتأهب حول شجرة
يتلوى عليها المطر.
وأنظر عاليا
تلك الشجرة سقيناها معا؟
لا بد أن تكون الشجرة الأخرى تلك، هناك
خلف السور تخبّئ في غصونها غيم الشتاء.

صراخ

وكما تأمل شمس الدين في جمال الطبيعة، مستعيدا الأشخاص والأماكن والأحاسيس الفانية، فإنه يتجه في محطة أخرى نحو الصراخ عبر القصيدة، حين يوصف مشاهد الموت بغاز السارين خلال الحرب السورية، ويصنع الشاعر مفارقة بين مكونات الحرب، ومكونات ألفة الإنسان مع الحياة، فلا استمرار دون ألفة، ولا يمكن أن يطيق المرء أو يستأنس بكتلة الجثث المترامية في الشوارع والبيوت.

وعبر لهجته الساخرة يفتح الشاعر حوارا مع الأناس المحاصرين بالغاز، مطالبا إياهم بالضحك من هول الواقع، والاحتفاظ بألفة الحياة أمام مشاهد موتهم الصارخة.

يكتب علي شمس الدين في النص المطوّل "نزول الألفة":

"إن أغوتك الألفة
لا تُودِّعْ، لا تترك وصايا،
اخرج من بيتك
أو لا تخرج،
اختبئ في سريرك إن شئت
تهاوَ قليلاً ولا تسقط سريعا.

تنشق " السارين" وابتسم،
لا تصرخ،
يكفي أن يصد الكفَّان النظر،
أو تتراخى الذراعان،
لك بعدها أن تُفَصِّل جيفتك على موضة الأصماغ،

تَـتَنزَّل تنزيلاً،
مكوَّما،
معصوفا،
مفصولَ الأطرافِ،
منتفخا،
مسحوقا،
مبقورا،
مسلوخا...

تفور من حلمَتيكَ نكهة عفن تكفي ليتغمَّدك الجوف بشهية".

بقايا أصوات

ويستكمل الشاعر الصراخ من خلال مشاهد تبدو في الحياة صامتة، لكنه يحركها ويجعل لها صوتا عبر الأثر الشعري، وهي تلك اللحظة التي يتم فيها تمديد الجثة على الكفن، في وداع الأحباب.

ويلمح النص إلى هيمنة لحظة النهاية فلا تعد النظرات تكفي ولا الكلمات القليلة تكفي، وكل ما يتبقى من هذه الجثة بعد حملها من المكان، مجرد بقايا أصوات، وذكريات، ولربما رائحة، لكن هذا كله لا يكفي لاستعادة الألفة مع العالم من جديد.

يكتب الشاعر:

"تريد أن تهدأ؟

قريتك صغيرة، وبيتك صغير،
وأنت تعرف
أن الزمن لا يتبادل الزيارات مع أشيائه،
ولا يربّت على ظهر تاريخ ومرثية،
ولا يستدير ليرى
كيف استقرت المحطات بعد عبوره،
وكيف وجدت الذرائع سبيلها
في تسويغ انقضائه.

عليك أن تهدأ،
لتُحضِّر وجها لملاقاة الوجوه
في الأجواف،
وتفصلَ ياقة طرية بيضاء
للقائك الأول مع الرطوبة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com