"كتاب الكوابيس" لحسن أكرم.. سرد مشحون بالمشاعر والشخصيات المعلقة
"كتاب الكوابيس" لحسن أكرم.. سرد مشحون بالمشاعر والشخصيات المعلقة"كتاب الكوابيس" لحسن أكرم.. سرد مشحون بالمشاعر والشخصيات المعلقة

"كتاب الكوابيس" لحسن أكرم.. سرد مشحون بالمشاعر والشخصيات المعلقة

يثير الكاتب العراقي حسن أكرم بعض المفاهيم الوجودية، وأفكارا تخص مصير الإنسان بعد الموت، وعلاقته بالآخرين خلال الحياة، وكذلك الصراع النفسي لفهم الذات والاندماج مع الجماعات، في مجموعته القصصية "كتاب الكوابيس" الصادرة عن منشورات مقبرة الكتب 2022.

والمجموعة تنفتح على الأحداث المدهشة الغرائبية، وتثير كذلك طريقة مختلفة لسير الأشياء على هامش العالم.

وتتعمق سردية حسن أكرم في الصوت الداخلي الإنساني، لتعالج أسئلة وجودية وذاتية كثيرة، عبر لغة نقية وسلسة، وكاشفة للمعنى، بالتلميحات اللغوية المتقنة، وذلك عبر 15 قصة ممتدة على 158 صفحة من القطع المتوسط.

والمثير للانتباه في قصص حسن أكرم قدرته على ترك النهايات معلقة، ففي كل قصة هنالك أسئلة يجيب عنها خلال النص لكن في نهاية القصة يضع سؤالًا شائكًا بإتمامه حدث النهاية بشكل ذكي، يبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه، لأسئلة تشعل العقل عبر النهايات المعلقة.

أبطال خارج النص
في قصة الرجل البطيء هناك عدة محطات معرفية يتعرض لها حسن أكرم في عراكه الفكري مع الكتب، يصدر عنها صوت غريب للوهم، فنجد كائنات الروايات تتحرك في الواقع لتصنع الفارق، وتثير قلق القاص خلال النص، أول الكائنات "حمامة باتريك زوسكند الغاضبة"، التي تخترق الزجاج دون كسره، فما يكون من القاص إلا الهرب.

وهذا ما يحدث للمرء في الواقع بالكثير من الأوهام التي تهز وجوده. وحين يتم الرواية يعي بطل القصة أن الحقيقة تأتي على شاكلتين: ما نراه بأعيننا، وما يصنعه لنا الخوف. ومن ثم الجرذ الذي يداهم بطل القصة من كائنات رواية "الجرذان التي لحست أذني بطل الكاراتيه" لمازن معروف، فالهرب لم يكن حلًا وكان عليه مواجهة حقيقة أن "في الحياة الكثير من الجرذان القذرة، وليس عليّ أن أخشى وجود حمامة غاضبة في حياتي".

وفكرة أخرى تقوم على المحو لجزء من عقل الإنسان مثل النسيان أو العطب، تجعل من شخصيات معينة معلقة في حياتنا، وخارج ذاكرتنا، إذ تخرج شخصية الرجل ذي الكرسي المتحرك من رواية "الرجل البطيء" للكاتب الجنوب إفريقي "ج.أم. كوتسي"، لتسبب له إشكالية كبيرة، فيجاوره الرجل وهو يتألم من قطب البتر وتصيبه حكة جراء احتكاك الخيوط بلحم ساقه، ويطلب العون منه، أو يقتله بعودته إلى الرواية، فيبقى الرجل المقعد معلقًا في الواقع لعدم إتمامه الكتاب لفراغ الصفحات الأخيرة كخطأ طباعي.

خيال علمي
وفي قصة "أم الكوابيس" يحاكي حسن أكرم فكرة خيال علمي قد تتحقق في المستقبل وهي أن كوابيس المرء يتم عرضها على الحائط وكأنما "بروجيكتور" داخل العقل يقوم بتصوير المشاهد.

لكن الجوهر في النص يحاكي النبوءة السيئة التي ترد في آخر رسومات الأم لابنها، بأنه سيكون معلقًا في مشهد ما، من عنقه، في سقف الغرفة، ويقين البطل بحدوث ذلك يتقاطع مع الفيلم السوداني "سأموت في العشرين" عام 2019، للمخرج أمجد أبو العلا، حيث أتت النبوءة السيئة لطفل مولود حديثًا، من عراف القرية.

مسافة
أما في قصة "حب عن بعد عشرة أمتار" فيعطي الكاتب للنص غرابته الجدية، بحدث سخونة الدم المجهول السبب، ويعمد البطل حمزة للمفهوم البوذي القاضي بالتفرد داخل هالة منفصلة عن هموم ووقائع البشرية، لتجنب العرض الغريب، وينجح الأمر قليلًا، حتى يداهمه الحب، ويكون عليه أن يبتعد عشرة أمتار عن عشيقته وزوجته فيما بعد، كي يتجنب سخونة دمه وسقوط جسده. فهل حين تنتهى هذه الحالة لدى البطل يكون قد توقف عن التأثر بعشيقته؟

من القصة

"صرت كلما ارتفعت حرارتي، فهمت أنها في مكان ما حولي، دمي صار يعمل كرادار يدلني إليها، وكلما اقتربت مني، أشتعل وأسقط مغشيًا علي".

الكره
وميزة أخرى للمجموعة أنها تتناول المفاهيم الجدلية الواسعة، وتلتقط جزئية ساخنة فيها، فيتحرك نهر الأفكار، والعراك الفكري، عبر لغة الكاتب وأفكاره الذكية.

ففي قصة "لا تتبعني" يثير حسن أكرم فكرة المساحة والبعد عن البشر، لتحقيق التوازن في الحياة، وهنا يجتمع شخصان يتفقان على نفس الفكرة، وحين يعيشان معًا ينشأ جدار معنوي بينهما، ولا يقتربان من بعضهما لأشهر، وتكون النهاية برسالة فراق ومكاشفة من الزوجة لزوجها، بأنها لا تطيق وجوده حولها، وتخشى اقترابه منها  بالرغم من وجود الحب تجاهه، إلا أنها تخاف أن تفقد هذا الكره الذي تكنه للبشر من خلاله، كما أنها تخشى أن تفقد حبها له، فاختارت الابتعاد.

من القصة
"أرى الحياة على أنها حرب مستمرة، وأن من يحبك يعني أنه يحالفك  في تلك الحرب".

المصير
أما قصة عنوان الكتاب " كتاب الكوابيس" فتذهب للعالم الهوائي، فخلف  الغيب هنالك أحداث لم يرها الإنسان بعد، وهذا المخفي يمثل منطقة مدهشة للإنسان، حيث تستمر رغبته في معرفة تفاصيله، وعبر تفسير الأحلام، يجد المرء مساحة ليحلق في أمله.

ولكن الكوابيس تمنحه شعورًا سيئًا بالطبع، وهنا يركز الكاتب على مآل المرء بعد أن يغادر العالم، وسبل عودته بواسطة الحلم الهوائي، لكنه يأتي بالموتى المقربين ضمن كابوس متكرر، يمثل رؤية تفتح العقل للتفكير في مصير الإنسان.

ونجد في ختام القصة، اللون الأصفر للغرفة الذي أورده الكابوس لغرفة الجد والجدة بعد الموت، متوارثًا خلالها عبر الأب والابن، ويرد ضمن سياق السؤال أيضًا من الابن للأب، عن مصير الجد بعد موته، فتكون الإجابة التقليدية للآباء: إلى الجنة، لكن الابن يجد جده يرده في الكابوس في غرفة صفراء ضيقة. فهل يجب أن نحمل إجابات تقليدية محددة للأبناء، أم نترك خيالهم ليفسر ظواهر الحياة؟.ك

يكتب القاص
"الناس هنا يتحدثون كثيرًا عن الأحلام، إنهم يقضون النهار والليل في الحديث عنها، يبدو أن المدن الصغيرة أكثر سريالية من غيرها، لكني كنت أواجه مشكلة معقدة قليلًا وهي أنني في المدينة لم أحظ بأحلام عادية، كنت أرى كل ليلة كابوسًا مخيفًا، ولم تكن أمي تملك كتابًا للكوابيس".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com