هل فقدت المهرجانات الشعرية في تونس بريقها؟
هل فقدت المهرجانات الشعرية في تونس بريقها؟هل فقدت المهرجانات الشعرية في تونس بريقها؟

هل فقدت المهرجانات الشعرية في تونس بريقها؟

تعيش المهرجانات الشعرية في تونس تراجعًا من حيث مستوى المشاركين، وجودة المادة الشعرية المقدمة.

ويعزو خبراء الفن الأسباب إلى ضعف الدعم من جانب الدولة، واعتماد المحاباة، ومقاييس غير موضوعية في اختيار المشاركين، ما أدى إلى فقدانها بريقها.

وتنتشر التظاهرات الشعرية في تونس في مختلف المدن والمحافظات، لا سيما تلك التي دأبت على استقطاب الشعراء أو التي اشتهرت بتخريج شعراء كبار.

ومن هذه التظاهرات محافظة القيروان التي أنهت قبل أيام فعاليات الدورة السادسة من "مهرجان القيروان للشعر العربي" التي انتظمت في "بيت الشعر" بهذه المدينة الواقعة في الوسط التونسي، حيث شهد المهرجان مشاركات من: تونس، ليبيا، وسوريا.

ورغم إشعاع محافظة القيروان في هذا المجال، واشتهارها بعدة أسماء سطع نجمها مثل المنصف الوهايبي، والمنصف المزغني، وجميلة الماجري، وراضية الشهايبي، وغيرهم، فإن بريق التظاهرات الشعرية بهذه المدينة وغيرها من المدن التونسية خفت لعدة أسباب.

ومن أسباب التراجع، ضعف التغطية الإعلامية لمثل هذه التظاهرات، وضعف الإمكانات المادية، مع أسباب موضوعية تعود بالأساس إلى الجهات المنظمة، والخلل في مقاييس اختيار الشعراء المشاركين.

كما باتت العديد من المهرجانات الشعرية بلا شعر ولا شعراء، وأصبحت مناسبات لتبادل المجاملات، والتكريمات، وتوزيع الجوائز دون قيمة جمالية وفنية تُضاف إلى الساحة الثقافية، بحسب متابعين.

واعتبرت الشاعرة التونسية راضية الشهايبي، أن أغلب المهرجانات الشعرية فقدت فعلًا بريقها ونجاعتها لأسباب كثيرة، "أهمها تراجع الدعم من وزارة الثقافة مقارنة بدعمها للسينما أو الفنون الأخرى، وكثرة الجمعيات الثقافية أو التي تدّعي الطابع الثقافي التي تنظم ما يشبه وأحيانًا ما لا يشبه الملتقى الشعري فقط للحصول على الدعم وطبعًا حتى تستفيد من هذا الدعم لا يجب أن تصرف كثيرًا وبذلك تفتح باب المشاركة لأشباه الشعراء الذين يقبلون بذلك".



وأضافت الشهايبي، في تصريح لـ "إرم نيوز"، أنه "حتى إن وُجدت مهرجانات جادة فهي معدومة البريق بما أن وسائل الإعلام خاصة المرئية منها لا تهتم ولا تتابع، وحتى إن تابعت تكون المتابعة خبرًا من جملة الأخبار دون نقل مباشر للفعاليات أو تقديم تسجيلات أو إجراء لقاءات مع الضيوف كما تفعل في الملتقيات السينمائية مثلًا أو الموسيقية".

وأكدت أن "للجوائز التي تخصص للمسابقات دورًا كبيرًا في إضفاء بريق خاص لأي مهرجان يعتمد المسابقات، وللأسف، نجد أن الجوائز المخصصة للمسابقات الشعرية قليلة جدًا بل أحيانًا تثير السخرية".

كما أن "الضيوف العرب أو الأجانب هم من يضيفون بريقًا مميزًا للمهرجانات الشعرية، ولتحقيق ذلك لا بد من دعم مالي ولوجيستي لتسهيل دعوتهم، ومنحهم التأشيرة وتذكرة السفر"، وفقًا للشهايبي.

وتابعت الشهايبي: "في غياب كل ذلك أصبحت هذه الدعوات تعتمد على العلاقات الخاصة، وعلى من يستطيع تمويل رحلته بنفسه إلى تونس، وطبعًا ساهم هذا بحضور من ليس لهم صلة بالشعر، وكل ذلك لتستفيد الجمعيات باسم هذه البلدان وتضمنها في ملف الدعم فتظهر وكأنها استقدمت ضيوفًا من الخارج".

وتذهب الشاعرة التونسية التي أصدرت مؤخرًا ديوانها السادس "جسد قديم"، إلى القول إنّه "لم يبقَ من بريق لهذه المهرجانات سوى بريق الشعر للزيف والتمعش باستثناء المهرجانات التي تشرف عليها المندوبيات الثقافية أو بيت الشعر لأنها رغم النقص أحيانًا تبقى جادة، إلى جانب قلة قليلة من المهرجانات الشعرية التي تنظمها الجمعيات الثقافية وأهمها مهرجان توزر الدولي للشعر".

بدوره، قال الشاعر التونسي عبد الواحد السويح: "تونس لا تملك تقاليد في إقامة المهرجانات الشعرية، رغم تعددها وانتشارها في جميع المحافظات، ويعود السبب إلى نوعية رؤساء تلك المهرجانات الذين يدعون في الغالب أنهم شعراء، لذلك فإن تنظيمهم للشعر ينبغي أن يتم على مقاساتهم".

وأضاف السويح لـ"إرم نيوز" أن "تلك الحسابات الضيقة هي أهم عائق يجعل مهرجانات الشعر في تونس تفقد بريقها، أما العوائق الأخرى فتتمثل في عدم اكتراث وزارة الثقافة بالشعر أصلًا، فيكون دعمها لتلك التظاهرات محدودًا بل إن الشاعر التونسي مهما كان حجمه لا ينتفع ماديًا من تلك المشاركات إلا بمبلغ زهيد قد لا يغطي حتى ثمن تنقله".

وتابع: "أما العائق الثالث والأخطر في نظري فهو غياب الاجتهاد، فالمهرجانات الشعرية في تونس تكرر نفسها ولن يلحظ المشارك أية فروقات بين مهرجان وآخر".

لكن السويح أشار إلى أن "هناك استثناءات، متصلة ببيت الشعر القيرواني، وبيت الشعر التونسي، لكن مشكلة هذين البيتين أنهما مجبران على إرضاء الجميع، لذلك كثيرًا ما تتم دعوة من لا علاقة لهم بالشعر لمجرد أنهم أصدروا كتبًا ولو متواضعة".

واستطرد: "من الاستثناءات الأخرى الجميلة في تونس مهرجانات وملتقيات ينظمها مبدعون حقيقيون يسعون قدر الإمكان، إلى أن يكون شعار أنشطتهم هو الشعر للشعر مثل ما تقوم به راضية الشهايبي، وأمامة الزائر، وصابر العبسي، وجميل العمامي، وغيرهم من مديري دور الثقافة ممن لهم دراية عميقة بالمشهد الشعري في تونس".

ويطرح رئيس جمعية الصالون الثقافي ومدير مهرجان "البحر يُنشد شعرًا" ومدير ملتقى "أدب السجون" في تونس عبد الحكيم الربيعي، رؤية تذهب إلى اعتبار أن "التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتسارعة، تمثّل جزءًا من إضفاء المشروعية على التساؤلات الحائرة التي تُطرح، اليوم، في علاقة بالتظاهرات الثقافية عامة والشعرية بشكل أخصّ".

ويشير الربيعي في تصريح لـ "إرم نيوز"، إلى النظرة الخاطئة التي تجد صداها حتى لدى من يُحسبون على المشهد الثقافي.

ويستحضر حادثة قال إنها صادمة حين بادرته إحدى "المثقفات" خلال مهرجان "البحر ينشد شعرًا" المنتظم، أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، واختزلت التظاهرات الشعرية في "الجولات والجلسات الشعرية، والحصول على المال".

وعلّق الربيعي بأنّ "هذا القول يغني عن أي وصف للوضع الثقافي، وهذا هو واقع الثقافة: سُلطة أنهكتها أعباء الحكم، والتنمية استغنت عن المثقفين غصبًا وليس اختيارًا، وعامة الناس يرون في المثقفين متمعشين".

وعبّر بشيء من المرارة عن هذا الواقع الذي يواجه منظمي التظاهرات الشعرية، وقال إنهم يشعرون بنوع من الغربة التي تجعل منظّم التظاهرة كالقابض على الجمر، الذي يواجه اللامبالاة، ويقع تحت ضغط الالتزام بالمواعيد الثقافية وتنظيمها بشكل لائق، بحسب قوله.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com