مجموعة "أسرار" لخلود شرف.. تأملات شعرية في ارتباط الإنسان بالأماكن واللحظات‎‎
مجموعة "أسرار" لخلود شرف.. تأملات شعرية في ارتباط الإنسان بالأماكن واللحظات‎‎مجموعة "أسرار" لخلود شرف.. تأملات شعرية في ارتباط الإنسان بالأماكن واللحظات‎‎

مجموعة "أسرار" لخلود شرف.. تأملات شعرية في ارتباط الإنسان بالأماكن واللحظات‎‎

تستعرض الشاعرة السورية خلود شرف تفاصيل رحلتها مع الهجرة والغربة عن الوطن، بتأملات شعرية مائلة للفلسفة، تنقل من خلالها مشاعر الحنين إلى ذكرياتها مع الأرض والطبيعة خلال نشأتها، مقارنة ذلك مع التجارب الجديدة في بلاد الغرب، في مجموعتها الشعرية "أسرار" والصادرة عن دار أمجد للنشر والتوزيع 2021.

وتعبر الشاعرة عن صوت الطفولة والتماهي الأولي مع الأشياء، مستعيدة أصوات وحركات الأنهار والجداول والطيور في البراح، مستفيدة من نبض الدهشة البدائية الذي يملكه الإنسان في اكتشاف صور الطبيعة.

إعادة تصنيع
وبما تحمله شرف من نوستاليجا لتلك الأحاسيس، تتمكن من رسم اللحظة كأنها تتكرر في الحاضر.

وعلى اختلاف الحركة الذاتية للطبيعة، يتسنى لها إعادة تصنيع الصورة ذاتها على الرغم من اختلاف المكان، حيث تبدي تفاعلا مع مدينة كراكوف البولندية، حيث كانت تقيم، وتعود بالذاكرة إلى نهري دجلة والفرات في سوريا، معبرة عن الحنين إلى اللحظة القديمة في الشام: "أمطرت الحياة كالفردوس/ سابحة من دجلة والفرات/ ملونة جسدي كسمّاق/فاحمرت شفتاي من توت الشام".

فيما تغلب لغة الحوار الذاتي المونولوجي على شعر خلود شرف، وتقدم تأملاتها الشعرية بنمط تكثيفي وجمل قصيرة، تزيد من تركيز شعرها على اللحظة.

وتستخدم الشاعرة طريقة سهلة في إيصال حسها الشعري، مبتعدة عن التكلف في الوصف، ويظهر الصوت الشعري المعاصر في شعرها، بما تعتمد عليه من موسيقى داخلية في النص، وتراكيب حداثية، وعناوين لامعة، في قصائد امتدت على 118 صفحة من القطع المتوسط.

باشلار
ويظهر في شعر خلود شرف صوت الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، فطريقة ملامسة الأشياء لدى الشاعرة، على نفس المنهج والتناول، حيث يتم إحياء المشاهد في العالم من خلال التأمل والحوار معها، لاستنباط المعنى الذي تحمله بين ثناياها.

يقول باشلار: "التأمل، هو إثراء لخصوبة الحياة، ونوع من المناقشة بين أنواع الدهشة التي تنبه وعينا وتمنعه من الخدر".

ما تقوله الطبيعة
وتعتبر الشاعرة أن أسرارها كأنثى مبنية على ما تقوله الطبيعة من تفاصيل، صانعة هذا الخلط الموحي، من خلال انغماسها في معادلة إنتاج الطبيعة لمخرجاتها، موصفة المعجزة الذاتية من خلال الشعر، بالتشارك مع مكونات العالم بتعددية شكلانية وصوتية، حيث تكتب الشاعرة شرف في نص "السر الأول":

"أستطيع السير على الماء
أتقن لغة لا تتقنونها
فثمة أسرار عذبة تكشفت لي.
أستطيع الغناء،
صوتي يسير على الماء
يصل إلى العندليب فوق الغصن.
السمكة ظنته طعاما،
فأخذته إلى قاع البحيرة.
والعصفور أخذه لصغاره، ليطعمهم سرّي.
واصلت السير،
متقنة كل اللغات،
ولا أحد يفهمني".

تمارين
فيما تذهب شرف في شعرها إلى استخدام التراكيب الوجودية المختلفة، لاستثارة الأحاسيس حول ذلك، فلا تكتفي بالتكوين الصامت، بل تذهب إلى تلك المكونات التي تصدِر أصواتا، مستفيدة منها في حث الإنسان على معرفة ذاته، وتوسيع مساحة وعيه، وتستند إلى ذلك بالموسيقى، التي تعمل كمادة حافظة، تقي الإنسان التلف. فمن خلالها تحتفظ بشعرها الغجري كتعبير عن الاحتفاظ بشهية الجنون، وتسمح للطير الأبيض بأخذ مقاسات قلبها، متحسسة رعشتها لحظة دوران الموسيقى، حيث تكتب الشاعرة في نص "السر الأخير":

"ما زلت أحتفظ بشعري الغجري
من أحد أجيالي
وبطير أبيض في قلبي
مازلت أرتعش في كل نغمة
كما لو أنني أنتمي إلى كل مكان
فالحب تناغم
والموسيقا تغزل الرقص
السر:
أمرن الموسيقى على وجودي".

لغة الشرق
فيما تبدي الشاعرة اعتزازها باللغة العربية في مهجرها، رغم أنها لغة قليلة الاستخدام في بلاد الغرب، إلا أنها تنسب نفسها إلى لغتها الأم، لربما هذا هو جسرها المتين الذي تعود من خلاله لطبيعة الشرق، فتكتب "أنا ابنة الأبجدية/ مقام عربي/ لا أنسى كيف سقطت من خط رقعي/ ولكنة بدوية/ وأذكر جيدا خيلا فارسية/ مرت بالعود في أماسي هارون الرشيد".

الماضي
وتلخص الشاعرة طريقها الطويل مع الهجرة عن أرضها، من خلال تجسيد للحسي من الذكريات والقناعات، والمكعبات المتخيلة لتفاصيل الماضي التي حملتها معها إلى الغرب، وكأنها كانت ترسم لها خريطة الدرب، لكنها تلمح إلى ذلك التغير الذي ينتاب تكوينها مع التجارب الجديدة التي تطرأ عليها حين تكتب في نص "المهاجرة":

"حملتني المسافات
مثقلة بالماضي
مع هوية وبضع معتقدات
في كل درب
أفقد شيئا منها
وفي كل درب اكتسب غيرها
حتى بات بعضي مني منسيا
وبت كلي من غيري
خفيفة الحمل
أكملت دربي
من رآني
ظن أنه يعرفني
ومن عرفني سماني المهاجرة
لم أحمل معي الساعات الهاربة
ولا الأمكنة
التي بتّ أتعافى منها
أحمل معي برّيتي وكثيرا من الحب".

وخلود شرف شاعرة وكاتبة وناشطة حقوقية، حاصلة على جائزة ابن بطوطة عن كتاب "رحلة العودة إلى الجبل يوميات في ظلال الحرب 2019.

وقد صدر لها كتابان باللغتين البولندية والإنجليزية.

وهي حاصلة على بضع منح استضافة ككاتبة من ألمانيا وأمريكا والسويد بولندا ولاتفيا، وشاركت في عدة مهرجانات دولية مثل مهرجان كونراد، ومهرجان ميووش في بولندا، ومعرض الكتاب بأوكرانيا في دورته الـ25، ومهرجان القصيدة الواحدة في الأردن، ومعرض الكتاب في المغرب.

وقد ترجمت كتاباتها إلى 10 لغات منها الإنجليزية والألمانية والبولندية والويلزية والبلجيكية واللاتفية، ولها مجموعة شعرية بعنوان "رفات فراشة" صدرت عام 2016.

كما حصلت على منحة أبحاث من مؤسسة اتجاهات عام 2016، وأنجزت كتابا بحثيا عن الشعر في سوريا بعد عام 2011.

وهي مقيمة حاليا كضيفة كاتبة في ألمانيا، وتعمل على مشروع تعليم اللغة العربية عن طريق الرسم لكسر الفجوة بين الثقافات الأوروبية والعربية، ومشروع إيصال القصة العالمية للطفل العربي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com