رواية "غانيات بيروت".. شخصيات خارج النمط الاجتماعي‎
رواية "غانيات بيروت".. شخصيات خارج النمط الاجتماعي‎رواية "غانيات بيروت".. شخصيات خارج النمط الاجتماعي‎

رواية "غانيات بيروت".. شخصيات خارج النمط الاجتماعي‎

تقدم الروائية اللبنانية لينة كريدية، شخصيات خارج النمط الاجتماعي السائد في لبنان، والبلاد العربية، مبينة معاناة بائعات الهوى وغيرهن في المجتمع اللبناني، عبر سرد تاريخي من القرن الماضي في روايتها "غانيات بيروت، الصادرة عن دار النهضة العربية للنشر والتوزيع 2021.

وتتمثل الرواية من خلال عمل بحثي استقصائي حول شخصيات من الواقع في الأغلب، جميعها يحمل قضيته الخاصة، ويدفع ثمن الاختلاف عن مسار المجتمع المهيمن.

حيث تسرد كريدية صرخات لنساء تعرضن للطحن الاجتماعي، وتقدمهن على أنهن غانيات بوصف جمالي معاكس للنظرة الاجتماعية الذكورية المأخوذة عن بائعات الهوى، ومرتادات البارات الليلية. إذ تحكي الكاتبة أوجاعهن مبينة سلسلة الممارسات الظالمة التي تعرضن لها، وتفصح عن بعض الآليات المؤدية لسقوطهن ضحايا في طريق الحياة السريع.

وتتنقل كريدية خلال مشوار السرد، بين أزمنة مختلفة، معنونة بعض الفصول البالغ عددها 16 فصلًا، بعضها تُعنون بأسماء شخصياتها الأنثوية، وتواريخ ميلادهن.



لكن تتركز البؤرة السردية عند الكاتبة، في الثلث الأخير من القرن الماضي، متزامنة مع الحرب اللبنانية الطاحنة، التي انبنت على عدة عوامل متمثلة بالصراع الطائفي الأهلي، والمشاكسات السياسية مع الاحتلال الإسرائيلي وقتها.

ذات وواقع

وتصنع كريدية، صراعًا ما بين الذات والواقع، بما تبينه من آلام شخصياتها، وعبء التعايش مع أفكار المجتمع، والنظرة الدونية تجاههن، وكذلك بما تسرده عن مدينة بيروت وأحيائها الفقيرة، والمشكلات الناجمة عن تفشي الفقر والبطالة بفعل الحالة السياسية للبنان.

وتبين الكاتبة حالة التناقض التي تحياها بيروت على مدار السنين، فمدينة تحمل كل أشكال الوجع والصراع، وأنّات الماضي، والخوف من المستقبل، إلا أنها تصر على الاستمرار في العيش، واستلاب أوقات المتعة والمسرات من الزمن، من خلال نمط شعوري يجعل من الإنسان في بيروت أقوى من كل إشكاليات العصر: "على الدوام، تخلط بيروت مآسيها بالمسرات. حتى في أتعس أيامها، هناك أمكنة يمكن العثور عليها للسهر والفرفشة. يمكن أن يكون هذا الماجن ذا مال وسلطة. أكثر المندسين في الملذات، هم أصحاب السلطة والنفوذ والثروات، ويتفوقون على ذوي الجيوب الخاوية".

شخصيات كثيرة

أما هيكل السرد، فإن "غانيات بيروت"، تعتمد على السرد المنفرد في الأغلب لحياة وأفكار كل شخصية وبيئتها، وطريقة نشأتها، وكأن الرواية تجميعات لقصص، تتداخل قليلًا دون صراع فِعلي، يجمع الشخصية البطلة بالأخرى. فقد أعطت الكاتبة لكل شخصية مساحتها الخاصة، من خلال إيضاح صراعها الذاتي مع المجتمع، وكذلك من خلال سرد تاريخها، ونشأتها بطريقة توصيفية ممتعة.

لكن ولكثرة الشخصيات التي تناولتها الكاتبة، صار من المرهق للقارئ، امتلاك التركيز نفسه، بعد التنقل في عمق المشاهد خلال السرد، خاصة وأن كريدية كانت تختصر الحديث حول كل شخصية، في البدايات، حيث كانت تمضي بإيقاع سردي سريع جدًا، متقافزة من كاركتر لآخر، قبل أن تنتقل إلى الثلث الأخير الذي بدا إيقاعه أبطأ، وموغلًا أكثر في تفاصيل الشخصيات، ليكشف عن الغموض المثار أولًا.

لغة الكاتبة كانت بسيطة واضحة، ووضحت عنايتها بالتوصيف الجريء للحظات من تاريخ لبنان، بتشابكاته مع الواقع العربي، ومزجت في بعض المشاهد السردية ما بين اللهجة العامية اللبنانية، وبين اللغة الفصحى، وامتازت تنقلاتها بين المشاهد بالسلاسة، دون انقطاعات في الأفكار أو تشويش، على مدار 110 صفحات من القطع المتوسط.

الفلسطيني في لبنان

الرواية المتشابكة بالتاريخ والمجتمع والسياسة، تسترجع أصل معاناة وجود الفلسطينيين في لبنان، وعدم نيلهم حقوق المواطنة حتى هذه اللحظة، على الرغم من وجودهم الممتد لعقود طويلة في لبنان، حيث تبين الكاتبة من خلال إسقاط حواري الفكرة التي قامت عليها عزل الفلسطينيين عن صلب المجتمع اللبناني، حيث تكتب: "تشوّشّت أفكار حبيب جراء نقاشه مع المطران إيليا صليبي بخصوص الفلسطينيين الأرثودكس؛ هل من الأفضل صهرهم ضمن المجتمع اللبناني عبر تجنيسهم ومن ثم يختارون ملاذهم: البقاء في لبنان أو العودة أو الهجرة إلى أميركا أو إحدى دول أوروبا، أم إن أرض فلسطين للفلسطينيين وعليهم الجهاد من أجل حقهم والعودة إلى ديارهم المقدسة؟ وبالتالي فإن عدم تجنيسهم يؤدي إلى حثهم على الرجوع".

كما وتركز الرواية على الصراع السياسي والحزبي في لبنان وقتها، من خلال الاغتيالات السياسية، التي تمثلت في اغتيال سامي الحناوي ومعروف في صيدا، وكذلك اغتيال الصحفيين.

جدة فينيقية

‏وتظهر التداخلات بين الشخصيات في الجزء الثاني من السرد، حيث تلتقي العجوز لودي، بغادة وناديا في سكن الروشة البرجوازي. لودي الجميلة جدًا وبشعة الحظ، فقدت زوجيها في طريق حياتها الحزين، وغادة التي خانها زوجها مع أمها، فانتحرت كي يتكرر مشهد البؤس مرة أخرى، وناديا الشاعرة الطموحة، التي اخترقت مجتمع المثقفين بذكاء حاد. كما وتظهر أنطوانيت المومس مع ناديا في الشقة المسكونة بالأشباح، ويظهر لقاء جينكو القواد، بالسفاح فيكتور عواد في السجن.



وتظهر شخصية أليسار الخيالية، التي بقيت في خيال نوال، التي تعاني اضطرابات نفسية، يتمثل حضور أليسار كجدة فينيقية لللبنانيين، لمنح السرد جذورًا قديمة، وكأنما الكاتبة أرادت أن تأخذ تاريخ الغانيات من أوله.

أما نوال، فتطرح الرواية من خلالها أزمة منع الزواج بين الطوائف المختلفة التي تسود حتى الآن، رغم تشريع الأمر بالزواج المدني.

وتركز الرواية على جزء سيكولوجي من حياتها، فبعد ارتباطها بزياد الطبيب النفسي، يكتشف إصابتها بالذهان، المرض المحفوف بالمخاطر، وصعوبة التعافي.

تسرد الكاتبة:
"إن قبل دخول حياة مريضته يكون قد حنث بقسم أبقراط وخان مهنته. لقد عرف نوال مريضة لا حبيبة وزوجة قبل مرضها. عرفها في وضع نفسي سيئ متدهور جدا، وإنه متيقن من خلال خبرته أن مرضى الذهان لا يتعافون تماما، بل كل ما تفعله الأدوية هو تخفيف النوبات. زياد بين خيارين وعليه اتخاذ قرار، وما بين العقل والقلب حروب طاحنة على الدوام".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com