"مخاض عسير".. مجموعة قصصية عن الفقر والبطالة في المجتمع السوداني
"مخاض عسير".. مجموعة قصصية عن الفقر والبطالة في المجتمع السوداني"مخاض عسير".. مجموعة قصصية عن الفقر والبطالة في المجتمع السوداني

"مخاض عسير".. مجموعة قصصية عن الفقر والبطالة في المجتمع السوداني

تستعرض الكاتبة السودانية تسنيم طه، ملامح الحياة الاجتماعية والوضع الاقتصادي السيئ في المجتمع السوداني، وبعض التفاصيل عن الثورة السودانية في وجه نظام الحكم، وما يلازم ذلك من مشاعر في مجموعتها القصصية الثالثة "مخاض عسير"، الصادرة عن دار مقام للنشر والتوزيع 2021.

تعتمد الكاتبة في سردها على التشويق الدرامي، وتحليل الشخصيات، والبساطة والحوار في إدارة الصراع بينهم.

كما تغوص في التفاصيل الاجتماعية الواقعية، متخذة منها مسرحا للصراع القصصي، وتقدم ذلك من خلال لغة بسيطة سهلة، جاذبة، باتخاذها دقة الوصف والتحليل للشخصيات، مقدمة 12 قصة امتدت على 146 صفحة من القطع المتوسط.



محطة

وفي أكثر من محور، تتخذ القاصة محطة قطار في فرنسا، مكانا لقصة "دو فونتونيه" التي تعني المحطة، حيث تقدم طرحًا متشظيًّا حول التسول من جانب، وطبقات المجتمع من جانب آخر، كما وتوغل في الفكر الإنساني، وطريقة التعامل مع النقود، حيث تبرز فكرة الرضا وصرف المال دون تخوف من المستقبل، فيما تظهر شبح الرأسمالية، وأثرها المرعب على الإنسان في العصر الحديث، ومخافة الإفلاس التي قد تطال المرء في أي لحظة، بسبب كثرة تكاليف الحياة، والتبعية المخيفة للرأسمالية.

وفي القصة صراع ما بين عقول أربعة، الأول طفل يتسول بشكل قذر وابتزاز من خلال المضايقة برائحته وعدم نظافته، والثاني لفتاة لم تفكر في أمر التصدق فسارعت لذلك، وفتاة أخرى بشعر أحمر تضطر لإعطائه النقود للهرب من الموقف، وأخرى إثيوبية قارئة، ترفض الخضوع للموقف. ويمكن ترميز محطة القطار، بأن جميع العقول الأربعة لن تلتقي مرة أخرى في العالم، فلكل عقل أسلوبه في إدارة الأزمة.



وتكتب القاصة:

"لم تكن تنتمي إلى الأقلية الذين يتصدقون بسهولة لإيمانهم بمقولة (أنفق ما في الجيب يأتِك ما في الغيب!)، وإنما إلى الأغلبية المرعوبين من شبح النظام الرأسمالي المستنزف لمصادرهم المالية بالضرائب، ضريبة الدخل، والسكن، والتلفاز، وامتلاك العقار، والقيمة المضافة على البضائع".

ثورة

كما وتتداول تسنيم طه، تفاصيل الحياة السودانية، والثورة السلمية ضد الجوع والفقر، ملتقطةً قصص الشباب الملتصقة بالواقع، من خلال سرد قصصي درامي مثير، حيث يغني الشباب ويعزفون في التجمعات، ومنهم من يقرأ الكتب الفكرية ويناقشها، وعلى هامش هذا تتحرك المشاعر تجاه الآخر، فنجد علاقات الحب داخل ميدان الثورة، لربما هي بؤرة مشاعر جياشة، أو لرغبة المرء في توثيق لحظة بداية الحب بحدث عظيم.

ويظهر جانب آخر من الصراع الفكري، حيث تتناحر الأفكار والتحشيد خلال أحداث الفوضى، وكل حزب يحاول أن يجيش الناس لصالح موقفه، لنيل المكاسب السياسية، وقد يصل الأمر للتضارب والإيذاء.

إذ تكتب الكاتبة في قصة "كسرة فتريتة"، وهي دلالة على الفقر في المجتمع السوداني:

"لكنه لم يكد ينهي مقطع: وحتى الطير يجيها جعان،،، ومن أطرافِ تقيها شبع"، حتى تفاجأ بلكمة قوية أردته ساقطا بجوار طنبوره، ومنعته من الرد على صاحب الصوت الجهور الغاضب:
- يا زول إنت مجنون؟ كيف تغني لبلادك وتقول إنو الطير يجيها "جعان"، والرغيفة بقت بي جنيه؟ هسة عليك الله إنت لاقي عيش تشبع فيه عشان تفضل منه للطير؟.
ولما أفاق من صدمته وفتح عينيه، وجد اللمياء راكعة بجواره على الأرض، تطالع بهلع قطرات الدم السائلة من فمه، لتبقع قميصه الأبيض.
- أنا من العصر قاعد أقنع في الشباب عشان يواصلوا المظاهرات احتجاجا على حالة الغلاء الضاربة البلد. وتجي إنت بي أغنية غبية زي دي تفسد علي كل حاجة؟".

مساواة

فيما تكتب تسنيم طه بشكل ديالكتيكي، حول سلطة الرجل المطلقة في الحياة، وتحكمه في زمام الأمور بما في ذلك المرأة، وتبين من خلال الصراع مع الابنين حول السفر لرؤية أمهما المنفصلة، حيث تعطي الكاتبة أكثر من فكرة للحوار بين هندة الطفلة المحرومة من أمها، فما بين الغضب والاقناع والتهديد تنشأ بؤرة صراع فكري درامي، بسبب رغبة الأب في السيطرة وحرمان الأم من الطفلين.
وفي جوهر القصة، دعوة من الكاتبة إلى الحوار الجريء، وفض سيطرة الرجل القسرية على الحياة، بطريقة بتوجه أناركي، والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة.

إذ تكتب في قصة "بركان خامل":
"شعرت بشلال من القوة يسري في أطرافها ويحل عقدة لسانها ليدفعها للرد عليه دون خوف.

وتحررت يداها وعلا صوتها وهي تدافع عن أمها، لتوضح له بأنها ليست الأولى التي تنفصل عن زوجها، وبأن هذا حقها ما دامت غير سعيدة معه. وأحست بانعقاد معدتها ينفك شيئا فشيئا، مع نطقها لكلماتها المستنكرة عليه استخدام سلطته كرجل ليحرمها وأخاها من العيش مع أمهما. وعلت نبرتها وهي تخبره متحدية أنهما قد يلجآن إلى وسائل أخرى غير المطار إذا لم يوافق على ذهابهما لقضاء عطلة الصيف مع والدتهما".

هجرة

وتصور قصة "مخاض عسير" الميلودرامية، الوضع الاجتماعي والاقتصادي السوداني، من خلال طرح قصة حب بين شاب يدرس الطب، وفتاة متخرجة وتعاني من البطالة، وتنتظر منه أن يتقدم لخطبتها، وتدور القصة في أفكار مختلفة حول البطالة والإحباط لدى الشباب السوداني، حيث يستشري الفقر، ويتسلل الإهمال في كل متطلبات الأمان الاقتصادي والاجتماعي والصحي داخل السودان.
وتستعرض الكاتبة معاناة الشباب مع الهجرة غير الشرعية عبر البحار، التي يقدم عليها السودانيون، وغيرهم من العرب، وتبين كم المخاطرة التي ترافق هذه الخطوة.
فيما اعتمدت القاصة على حشد مشاهد البؤس في المجتمع السوداني، وكان لابد من اختصار بعض المشاهد، وعدم تكرار الجوهر ذاته بين الصور القصصية.

وتكتب القاصة:

"من جديد وجدتني أمام تساؤلاتي القديمة عديمة الأجوبة: لماذا ولدت فقيرا في بلد مثل هذا، ولماذا علي الكفاح حتى يشيب شعري قبل أن أقطف ثمرة تعبي وجهدي؟ وما هو الحب، ولماذا يربطونه دائما بالزواج؟ وكيف أحافظ على حبي وتتويجه بالزواج لتكوين أسرة سعيدة مستقرة؟ وهل إذا فرطت في حبيبتي هذه سأجد أخرى أبادلها المشاعر ذاتها وتقبل أن تتزوجني رغم فقري؟".

 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com