"قبر في الأرض.. قبر في السماء".. مجموعة شعرية تجسد واقع لبنان
"قبر في الأرض.. قبر في السماء".. مجموعة شعرية تجسد واقع لبنان"قبر في الأرض.. قبر في السماء".. مجموعة شعرية تجسد واقع لبنان

"قبر في الأرض.. قبر في السماء".. مجموعة شعرية تجسد واقع لبنان

يصف الشاعر السوري يوسف الخضر تجربة الشباب اللبناني ومعايشتهم للواقع الاجتماعي والسياسي، باستعراض مشاهد مظلمة للذات تثير التساؤلات والجدل حول رؤية الإنسان والشعر للواقع، وانعكاسات الحدث الاجتماعي على الفن بعموميته، وذلك في مجموعته الشعرية "قبر في الأرض.. قبر في السماء"، الصادرة عن "دار أبعاد للطباعة والنشر"، عام 2021.

ويكتب الخضر عن الحياة الباهتة، والكوميديا السوداء التي تفرضها الأحداث على ذات الإنسان، مستكشفا طريق النجاة الذي يرجوه الإنسان دوما في المحصلة.

كما يطرق الشاعر الصوت الإنساني المستمر مع الانتظار، كأنما "غودو" صمويل بيكيت عاد إلى هذا العصر المتسم بالسرعة والتكرار: "لم يصل بعد/ داسني الوقت كأنني قطعة من الخردة/ أبكي لأستجدي جدوى من اللاجدوى/ أضحك كي لا يأخذني الموت على حين غرّة".

ويتحدث الخضر في قصائده عن الأسى الذي يكابده الإنسان في خوض الطريق، وردّة الفعل البشرية المتوحشة في التكيف مع مجريات الأمور: "أركض لاهثًا/ بداخلي وحش يحاول الخروج/ يحاول بمخالبه وأنيابه".



معركة داخلية

يعبر الشاعر عن الصراع البشري الداخلي مع القناعات، ويصف من خلال قصائده بشكل تلميحي صورة الإنسان المسخ المحطم، بينما يغرق في وحدته، ويكبح جماح الفوضى التي تنتابه.

ويتجلى في نص الخضر الحراك النفسي البشري، وتداخل الصور ما بين الماضي والحاضر، مبينا كيف يتنقل الإنسان بين حالاته المختلفة، تبعا للمعركة الداخلية، وانطباعات الآخر، حيث يخصص ذروة شاعريته لنقد النزعة البشرية للتخلي في حال كان الإنسان يصارع تناقضاته: "انفضوا عني بسبب الجلبة التي أحدثها/ ولم ينتبه أي منهم أنني كنت أتخبط لانتزاع سكين مغروسة بعمق في خاصرتي".

تقاطع مع النثر

ويقدم الخضر في مجموعته بعض القصائد التي تتقاطع مع النثرية، بما تحمله من جمل طويلة مفرطة في حمل الكلمات، إذ يكون من الممكن صياغة المعنى بعدد كلمات أقل، لتفادي التداخل بين القصيدة الحديثة والنثر.

ويمكن اعتبار شاعرية الخضر في مصف الشعر الباحث عن الذات الإنسانية، كأنما يصنع ورشة نقدية للإنسان وللمجتمع المحيط من حوله، حيث يوغل في الواقع السياسي والاجتماعي الذي يحياه، مقدمًا ذلك من خلال مشاهد تثير المحاكاة للقارئ، وتدلل على مساحة داكنة.

تصوير

اهتم الشاعر برفع صوت الحزن والغصة على مدار المجموعة، معبرًا عن ذات وحيدة منهكة، جسدها في الكثير من المواطن بضمير الأنا الأقرب لوصف الذات، وبدا معتمدًا على تصوير المشهد أكثر من البحث عن أدوات التكثيف الشعري والاختصار، لكن هذا لم يمنع وجود الإرث الجمالي الشعري داخل النصوص الممتدة على مدار 128 صفحة من القطع المتوسط.

كافكاوية

وينقل الخضر مشاعر الشاب العربي واللبناني على وجه الخصوص، ممثلًا حالة الإحباط التي يعايشها الشاب العربي مع البطالة وانعدام الثقة فيما تقدمه الحياة من مسوغات، حيث يلمح إلى لون السواد الذي يحمله الشباب، مجسدًا حالة التماهي بين الذات واليأس، فتتكل في قصيدته معانٍ "كافكاوية" صارخة (نسبةً إلى الكاتب التشيكي فرانس كافكا)، كانطباع عن الحالة الاجتماعية والسياسية التي يحياها اللبناني، حيث الحروب، والنزاعات الداخلية، والعراك الأهلي المبني على الفرقة والطائفية.

يكتب الخضر في قصيدة "تعب":

"الغربان،

كل الغربان أوت إلى قلبي!

كيف سترحل،

سألبس الماضي حذاءً، وأمشي،

أمشي متعبًا،

جثتي دبابة قديمة يفترسها وحشان،

الصدأ من كثرة الانتظار تحت المطر،

والندم من كثرة البيوت التي هبطت على رؤوس أصحابها.

متعب،

والليل يذبح العابرين على مجرى دم واحد،

لكي لا يضلوا طريقهم إلى تلك الأبنية

المليئة بالغرف المربعة".

قنص

ويوضح الخضر خلال أشعاره مأساة الشعب اللبناني مع الحرب، متعمقًا في أحد المشاهد الدالة على الحرب، حيث ينفرد القناص في زاويته، محددًا للأجساد المارة إطار الحياة، حيث تأتي نشوة القنص لديه، على رؤية الجسد الممدد مصارعا الموت. ويقدم الخضر طرحه بشكل تلميحي، مبني على استغلال الأعماق التي تحملها المشاهد الواقعية، راسمًا صورة تحمل الحركة، والصوت والصمت في آن واحد، فتلك المشهدية المبنية على التناقض، تفتح إلى مفارقة توحي بأفكار مختلفة، متسمة بالجدلية حول وحشية الحرب.

يكتب الخضر في نص"عند مفرق الجسر":

"عند مفرق الجسر خسرت الكثيرين،

وذلك القناص اللعين لم ينتشِ بعد،

ما زالت في جعبته ذخيرة،

ترى من التالي،

من ستأتيه الرصاصة الأخيرة؟

عند مفرق الجسر،

من هناك يبدأ الاشتباك..

أفيقوا يا أولاد حارتنا، فالموت على الأبواب،

ألقوا نظرة أخيرة،

على ألعابكم، وصدور أمهاتكم،

فالمدفعية تكره الانتظار".

هامستر

ويضع الخضر في مجموعته قطعًا نثرية، يقدم من خلالها تجريبًا مع شكل النثر وتكوينه، حول تجارب الإنسان مع الهامستر، مقدما من خلالها تجربة مع الكراهية والمحبة بين البشر، كما ويغلب عليها طابع النصح والحكمة، وهو ما يتنافى مع الأصل في التجريب الشعري الحديث.

يكتب الخضر في ذلك، بعنوان دفتر ملاحظات الهامستر:

"إنني أقيس علاقتي بالناس عن طريق الكراهية، فإن ممكن أن أحب شخصًا لا أعرفه، لمجرد أنه قال لي: مرحبًا، بشكل لطيف.

أما الكراهية فأنا أكنّها، لمن حاولت جاهدًا ألّا أكرهه".

ويقدم أيضًا نصائح حول تجربة الكتابة:

"قد تصبح كاتبًا جيدًا حين تكتب ما يثير دهشة الناس، لكنك ستكون كاتبًا عظيمًا حين تكتب نصًا يصدمك أنت نفسك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com