في المجموعة الشعرية "المرآة جدار آخر" للشاعر أحمد الأمين.. كيف يكون الحدث مجردًا من الزمن؟
في المجموعة الشعرية "المرآة جدار آخر" للشاعر أحمد الأمين.. كيف يكون الحدث مجردًا من الزمن؟في المجموعة الشعرية "المرآة جدار آخر" للشاعر أحمد الأمين.. كيف يكون الحدث مجردًا من الزمن؟

في المجموعة الشعرية "المرآة جدار آخر" للشاعر أحمد الأمين.. كيف يكون الحدث مجردًا من الزمن؟

يصنع  الشاعر اللبناني أحمد الأمين مفارقة بين المشاهد في أزمان مختلفة ما بين الماضي والحاضر، مستخدمًا مخزن الذاكرة في ذلك، من أجل نقل تأثر الإنسان بالجري بين تصنيفي الزمن، وذلك في مجموعته الشعرية"المرآة جدار آخر" التي صدرت عن دار النهضة العربية 2021.

حيث تحمل المجموعة رؤية زوال الأشياء الحتمي، وتقلب الهيئات المستمر، وتبدل الوجوه التي تمثلها. فلا ثابت ولا حياة دائمة، حتى وإن تأمل الإنسان ذلك، فإنه يرجع بخفي حنين. وكما ويبحث الشاعر عن طرق مختلفة لاستعادة اللحظة الزائلة.

وتفند المجموعة أحاديث السفر والفراق، وتوثق أصوات الوحدة والخوف، وثقل الأنا المنعزلة، كما تستعيد ذكريات الطفولة مع الأرض المنشأ، جنوب لبنان، حيث تجمعت الطفولة مثل كسرات زجاج مفتت، لتصنع كل هذه القيمة الشعرية. فيما يغرق الشاعر في تفاصيل المشاهد، البطيئة منها والسريعة، فيكون المشهد على شكل ومضة صاخبة بالأصوات والإشارات، كلها تقوم بوظيفتها مهما عظمت أو صغرت، فإنها في النهاية تختفي، وتتولى الذاكرة معالجة حضورها الجديد.

حيث تحضر في مجموعته كافة الأزمان كأنها صحيفة يقرأ منها أخبار حياة سابقة، ويقف دومًا هو على الحواف، يخشى السقوط والتورط في أي من تفاصيلها مرة أخرى. الخيبة من الحب والتعلق:"كلما أحببت/ وقع حائط في قلبي/ أنا الآن في العراء كل المنازل لا تشبهني".

فرصة أخرى

كما ويضع الأمين فرصة أخرى لكل شيء، بأسلوبية إعادة اللعب مع الحدث، حتى لو انتهت مقاييس وجوده في الحاضر، فإنه قابل لإعادة الانطلاق مرة أخرى، من خلال الشعر، كما ورد في نص"لقاء".

في حين يرصد الشاعر حال الأشياء مع النهايات، مؤكدًا على عبور الجميع على حاجز يسمح لهم بالمرور بلا عودة: كل شيء ينتهي/ حتى أولئك الذين ظننا يومًا/ أنهم سيظلون للأبد". ونلمح في سياق نصه الشعري، الحسرة، والامتعاض من سير الأمور على هذه الشاكلة، كأن كل شيء يعرض نفسه لهذا الطريق بشكل مجاني.

غرابة وانزياح

فيما يأتي الأمين في قصائده مستخدمًا لغة حداثية وجذابة، بما تملكه من أدوات التفاف على بعضها، وقيمة شعورية مختزنة في النص، وأفكارًا تحظى بالغرابة والانزياح. كما أن الدفقة الشعورية بما تختلط به من معنى، جاءت متماسكة من حيث الصياغة، ومتقنة الفرز والتصفيف، فلا حشو في التركيب، ولا ثغرات في النص، وهو ما تتطلبه البنية الذاتية لقصيدة النثر. وتنوعت في المجموعة ثيمات مختلفة لقصيدة النثر، فمنها ما جاء على شكل أسطر عمودية، ومنها ما جاء على شكل فقرة سردية. ويلاحظ في اختياره للعناوين فإن الأمين يستخدم بكثرة عناوين الكلمة الواحدة مثل: "تلميح، هروب، عام، أحلام، آنديرا" وهنالك نصوص استخدم لعناوينها كلمتين، ومرة واحدة استخدم عنوانًا من خمس كلمات:"أثقل من يد على كتف" وكنت أرى بأنه أنسب عنوان للمجموعة. وكانت القصائد قصيرة مكثفة، وجاء في 36 نصًا، وامتدت على 56 صفحة من القطع المتوسط.

دون شِعر

على الدوم يبدو الواقع دون قيمة شعرية، باردًا بليدًا بلا امتداد ولا جذور، فالصورة على الحائط، دون مشاعر، تبدو مجرد ألوان على ورق، انحناءات ودوائر ومقاط ميتة، لكن الدفقة الشعرية هي ما تبعث الحياة داخلها، وتستحث الذاكرة للرجوع لمكان الصورة الأصلي، والتأمل في الجزئيات الخفية للصورة. هكذا ينمو الشعر في الأشياء فيعطيها روحه، ويزيل عنها العدم.

ففي نص"حارس البراويز" يسندل صوت الشاعر على الأشياء الاعتيادية الجامدة، ليحركها وفق رؤية النص التي تهب الوعي للأشياء الجامدة، فتجعل وجودها فكرة مجدية، إذ إن برواز الصورة  في النص، لوغاريتم تتحرك داخله الحياة، بشكل مغاير عما يحدث في الواقع، حياة سابقة ممتلئة بالذكريات، وجعها وفرحها، وفقد لا ينتهي، يعطي اللون الشاحب للمشهد، والخسارة في محصلة الأحداث، وكأنما الحدث داخلها بمعزل عن الزمن، وكأن الزمن هو الشعر، يدخل على الأشياء فيمنحها معناها.



يكتب الشاعر:

"أريد ساعة إضافية

أهرب فيها الأشياء من البراويز،

ضحكة أمي في الصورة،

فستانها الأحمر

شرود أبي الدائم

خوفه الظاهر رغم الابتسامة

خوف الآباء ندبة لا تمحى.

أذكر أنه في زمن ما

كنا عائلة

وكان ثمة فرح رفيع

يجمع عيوننا،

وأذكر أنني قفزت في زمن آخر

هكذا

كمن يقفز من برج عالٍ

واثقًا أنه لن يرتطم.

حفرة من الوحدة والكلام القليل،

هذا أنا يا أبي

وجه شاحب ينظر إلى الصورة،

أنا حارس البراويز الذي لا يتعب،

أنتظر رجوع لحظات زائلة".

لحظة مثبتة

ولأنها قيمة الشعر تأتي بالتقاط اللحظات وتثبيتها مثل صورة على رقبتك حائط، لا يهم شأن أداة التثبيت، لكن الأمر بتعلق بمحتوى الصورة، إنها لحظة يستطيع فأس الشعر شق تركيبتها واختزالها بعيدة متناهية في العمق، بعيدة عن صخب الحياة الرديء، وتعبها المكرر. هذا ما تحقق في نص:"لن أكبر في الغد" حيث يكتب الأمين:

"في الثلاثين،

الجاز ينساب برهافة في شارع ضيق

في الأشرفية.

في الثلاثين

ليل بيروت يبدو هادئًا على غير عادة.

وجهي مخبأ في عنقك الأبيض،

يداي مستسلمتان كجندي عائد بالخسارة.

أريد أن أبقى هكذا إلى الأبد.

لا يأتي غد ولا أكبر.

كل شيء جميل في هذه اللحظة،

كأن الحياة بدأت للتو".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com