فريدريك نيتشه
فريدريك نيتشه

ما هي العودة الأبدية التي حدّثنا عنها نيتشه؟

إذا علمتَ اليوم أن الحياة التي عشتها ستعيد نفسها آلاف المرات، فماذا سيكون انطباعك؟ إنه بالضبط السؤال الذي يكمن وراء "العودة الأبدية" لنيتشه والحيوية التي تغذي فلسفته.

انطلاقًا من مقولته الشهيرة "موت الإله" يحاول نيتشه أن يشرح بإيجاز مبدأً معقدًا. إنه يقصد بهذه المقولة أن البشر مهيئون للتوقف عن الإيمان فقط بكيان أعلى، ما يؤدي إلى التقليل من القيم العليا والقانون الأخلاقي. في المقابل فهو يفهم أن الفرد، بموقف الرجل الخارق الذي يرفض أخلاق القطيع يتمكن من التحكم في حياته، مبتعدًا عن الرؤية الحتمية للوجود.

إن فكر نيتشه الثوري يفتح إمكانية رؤية العالم والأفراد من زاوية أخرى. ماذا يقصد نيتشة بالعودة الأبدية؟ وما هي قيمة هذه "العقيدة"؟

فريدريك نيتشه

الحديث في هذا التقرير الذي نشره اليوم موقع nospensees عن واحد من أكثر الفلاسفة الغربيين في القرن التاسع عشر. ولد فريدريك نيتشه عام 1844 في ألمانيا. رغبت والدته في أن يكون قسًا. بعد عشرين عامًا التحق بجامعة بون لدراسة اللاهوت. ومع ذلك فعلى الرغم من استياء والدته منه فقد انتقل في العام التالي إلى جامعة لايبزيغ لدراسة فقه اللغة الكلاسيكي.

تأثر نيتشه بفكر آرثر شوبنهاور وموسيقى ريتشارد فاغنر، واهتم بالفلسفة. انتهى به الأمر إلى تأليف أعمال عميقة في دلالاتها. من بين أبرزها "مولد التراجيديا" و" هكذا تكلم زرادشت"، و"العلم المرح".

في أعماله يوضح نيتشه تفسيره لتراجيديا اليونان القديمة، وموت الرب، ونهاية الدين كنموذج للقيم في المجتمع الحديث والعودة الأبدية. ففي رأيه أنه من وجهة نظرها العدمية ابتكرت المسيحية عالماً مثالياً ولا وجود له ولا يحقق شيئًا سوى سوى تقليص حرية الأفراد.

في نهاية عام 1889 عانى من انهيار عقلي مزمن، ومع ظهور علامات جنون واضحة دخل إلى عيادة الطب النفسي في مدينة بازل. وبعد أن تدهور عقليًا عزل نفسه في بيت عائلي تقاسمه مع شقيقته إليزابيث في مدينة فايمار. توفي في 25 آب (أغسطس) 1900.

الزمن وجهة نظر التصور الثقافي

كيف نفهم الزمن؟ إنه يمر مثل سهمٍ. أي مع بدايةٍ (الماضي)، ومع حاضر واستهلاك نهائي (يُطلق عليه علمُ اللاهوت نهاية الزمان).

بالنسبة لليونانيين كان الزمن دائريًا ودوريًا. لقد استخدموا كلمتين لتعريف الزمن: k airós و cronos. تمثل كلمة kairós الوقت المناسب والملائم للغاية الذي يحدث في زمن غروموس (الزمن المتسلسل تاريخيًا، الذي يمر ببساطة).

يقول المفكر لوكاس غابرييل كانتاروتي"اعتقد الإغريق الأوائل أن مرور الزمن ينتقل من الفوضى إلى الكون، ليعود فيما بعد إلى الفوضى ودواليك في دورة أبدية. أي أن كل ما يولد في الطبيعة يتحلل، ويصبح ويموت، ثم يولد من جديد ويكرر الدورة".

أن تكون في حالة كايروس kairos يعني أن تشعر بالتناغم مع اللحظة الآنية. ببساطة يعني ذلك اتخاذ قرارات واعية هنا والآن. يعني أن تمتلك وتتحكم في حياتك الخاصة، وأن تفهم أن حياتك ليست مصادفة أو عمل القدر.

يقول نيتشه إننا قمنا بتبسيط مفهوم الزمن القائم على أفكار المسيحية، ويعلن أنه يجب علينا ترك فكرة الوقت الذي يشبه السهم، لأن هذه النظرة الأخروية تجعلنا دائمًا نتوقع شيئًا رائعًا، ندفع ثمنه حياة خارج أو بعيدة عن رغباتنا الخاصة. ولذا يقترح نيتشه حياة قائمة على المحبة والصدق، بغض النظر عن مستقبل واعد، ومع افتراض أن الحاضر هو كل الحياة. يرى نيتشه أن الحاضر هو الكل.

العودة الأبدية عند نيتشه

 لا تَعتبِر هذه الفكرةُ إمكانية العيش في دورات لا نهائية أمرًا مفروغا منه. فهي مسألة افتراضية وليس حقيقة. فهي لا تُطرح بمفهوم العودة للتجسد (التناسخ) ولكنها قابلة لأن تكون اختبارًا انعكاسيًا لإرادة المرء ووجوده.

لكن الرافضين المُنكرين لهذا المفهوم يقترحون أن الأشياء تحدث بالقدر أو بالصدفة، وأنها لا تعتمد على هذا (القدر) وحده أو تلك (الصدفة) وحدها . ففي رأيهم أن الحياة قاسية وغير عادلة، بانتظار قدوم الفردوس السماوي. بهذا المعنى يُعتقد أن الحياة على هذا النحو لا تستحق العيش، وأنه لا يكون لها دلالة إلا في المستقبل فقط.

بدلاً من ذلك يعتمد نيتشه على المبدأ الوجودي القائل بأن الحياة تنتهي حتى تؤكد على أهمية عدم تركيز توقعاتنا في الحياة على وعود مستقبلية. بدلا من ذلك يقترح أن نعيش في الحاضر بشدة حتى نريد تكراره مع خيره وشره، ومع أفراحه وأحزانه. الشعار الحديث هو الاستمتاع بالحاضر كثيرًا بحيث نرغب في إعادة إحيائه.

إنه تأكيد للحياة، لأن العودة الأبدية يتم بناؤها في كل قرار، في كل لحظة. من خلال هذا المفهوم يحاول نيتشه مناشدة إرادة الإنسان. إنها عقيدة حياة الرجل الخارق، المتلهف لإسقاط الأخلاق مع قطعان مطيعة ورعاة مبشرين، وخلق أخلاق جديدة يكون فيها الإنسان قاضيًا وجلادًا على نفسه.

هل تستحق الحياة التي تعيشها الآن أن تعيشها مرارًا وتكرارًا؟ ماذا تفعل بلحظاتك، تلك التي ضاعت مرة واحدة؟ وماذا تريد أن تغيره في حياتك؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com