ابن رشد.. فيلسوف تجاهله المسلمون وتحتفي به أوروبا
ابن رشد.. فيلسوف تجاهله المسلمون وتحتفي به أوروباابن رشد.. فيلسوف تجاهله المسلمون وتحتفي به أوروبا

ابن رشد.. فيلسوف تجاهله المسلمون وتحتفي به أوروبا

يمثل الفيلسوف والعالِم العربي "أبي الوليد ابن رشد" (1126-1198)، أحد العقول الفكرية الفذة، التي أنجبتها الثقافة العربية في الأندلس، فالحديث عن أفكاره وتصوراته العقلية، في التوفيق بين الحكمة والشريعة، أو بين الدين والفلسفة، لازالت تصلح للأمة الإسلامية في كل عصر وزمن.

وعلى الرغم من الإهمال الشديد لأفكار "ابن رشد"، لقرون طويلة في مجتمعاتنا العربية، إلا أن كتبه، وخاصة شروحه لأفكار الفيلسوف اليوناني الشهير "أرسطو"، جعلته موضع ترحيب واهتمام كبير في أوروبا، وصارت "الرشدية" مذهبًا فكريًّا ساد أوروبا في القرون الوسطى، وعصر النهضة، فكان له أتباعٌ ومناوئون، على حدٍّ سواء، كما أنه لعب دورًا كبيرًا، ليس في مجال الفلسفة النظرية فحسب، بل وفي تطوير النظريات السياسية والاجتماعية أيضًا.

هكذا انتشرت في منتصف القرن الثالث عشر، مؤلَّفاتُ ابن رشد، بين الباحثين الأوروبيين، وشاعت آراؤه في أوساط المثقفين، وتغلغلت فلسفتُه في الجامعات، خاصة باريس، حيث كان الأساتذة الذين سُمِحَ لهم بتدريس فلسفة أرسطو، يعتمدون في الدرجة الأولى على شروح "ابن رشد"، الذي اشتهر باسم "الشارح".

وامتازت طريقة ابن رشد في الشرح عن غيرها، بأنه كان يتناول النصَّ بالإيضاح، فقرةً فقرة، ويفسِّر كلام أرسطو تفسيرًا دقيقًا، ويحلِّل معانيه تحليلاً عميقًا، فكان يضع لهذه الغاية من الشروح، ما هو صغير ومتوسط وكبير، فهو إما أن يلخِّص، أو يوضح باختصار، أو يسهب في التفسير ويستطرد في التعليق، وهذه الطريقة التاريخية ملائمة لحاجات الطلاب، ومفيدة في التعليم، ولذلك نالت استحسان الجميع.

واعتقد "ابن رشد"، أن كل الطرق الذهنية تؤدي الى الحقيقة، ولا تناقض فيما بين الدروب والطرق، بل هي الدليل الناصع، على حرية التفكير الإنساني، ذلك أن الأديان والفلسفات والعلوم، دروبٌ مختلفة إلى الحقيقة الواحدة، فيقول في جملة بليغة تحترم الآخر وعقيدته: "والحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له.

"ابن رشد" لم يعتقد إلا بوجود الحقيقة الواحدة، التي يجتهد في اكتشافها العقلُ البشري المتعاطي للعلمَ، ويكشف عنها الوحيُ الإلهي للأنبياء فيضمِّنونها كتبَهم.

كذلك رفض أي مرجعية دينية أو مذهبية في دراسة العلوم، مهما كان مصدرها، وطالب بالاستفادة من إنجازات الفكر، بصرف النظر عما إذا كان المفكر "وثنيًّا" أو يدين بدين آخر، فالمعيار الوحيد، هو صحة المعرفة.

ويقول المفكر الغربي الكبير "جورج سارتون"، في كتابه "المدخل إلى تاريخ العلوم": "إن ابن رشد، كان من أكابر فلاسفة الإسلام، ولقد أثَّر على فلاسفة أوروبا بفلسفته، أكثر من أرسطو نفسه، ودون ريب، فإنه مؤسِّس الفكر الحر، حيث فتح أمام علماء أوروبا، أبواب البحث والمناقشة على مصاريعها.

وطغى نشاط ابن رشد الفلسفي على شهرته المرموقة وثقافته الفياضة في العلوم الأخرى، مثل الطب والفلك، فقد ألَّف نحو 20 كتابًا في الطب، بعضها تلخيصات لكتب "جالينوس"، وبعضها مصنفات ذاتية، وتُرجِمَ أكثرها إلى العبرية واللاتينية، وأشهرها كتاب الكليات في الطب، وهو موسوعة طبية في سبعة مجلدات، ترجمه إلى اللاتينية.

وأخطر ما تركه المفكر والفيلسوف العربي الكبير "ابن رشد"، كتاب: "فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال"، فهو محاولة عقلية رصينة تعتمد على الحجة والبرهان لإثبات عدم وجود تناقض بين الدين والفلسفة، حيث أن الجمهور والشعب قد اتهموا الفلاسفة بأنهم يخرجون عن الدين، ولكن "ابن رشد" استطاع  أن يحسم هذا الموقف.

وجاء كتابه الثاني إلهام: "تهافت التهافت"، الذي ألفه ردًّا على الهجوم الشديد الذي وجَّهه الإمام "الغزالي" لأفكار وآراء بعض الفلاسفة، في كتابه "تهافت الفلاسفة"، كما قام "ابن رشد" بتصحيح أفكار بعض الفلاسفة السابقين، أمثال: "ابن سينا"، و"الفارابي"، في فهم بعض نظريات "أفلاطون" و"أرسطو".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com