واحات فنية مخبأة في السعودية
واحات فنية مخبأة في السعوديةواحات فنية مخبأة في السعودية

واحات فنية مخبأة في السعودية

عرض السعودي عبدالناصر غارم، الذي يعتبر أحد الفنانين المعاصرين الرائدين عالميًا، أعماله الفنية في المتاحف العالمية، وباع قطعًا منها في مزادات بمئات الآلاف من الدولارات.

عند رؤيتك للاستوديو الخاص به في السعودية لن تصدّق أن كل ما سبق يبدر من فنان بهذا التواضع. حيث يحيط بمنزله جدران ارتفاعها 15 قدمًا تمنع رؤية الفناء، ولا توجد أي إشارة أو اسم على الباب، وهو مزوّد بكاميرا مراقبة لتمنع دخول الزائرين غير المُرحّب بهم، حتى إنه قال ضاحكًا " حتى الجيران لا يعلمون ما يوجد هنا".

ويشكّل هذا الخليط من الشهرة في الخارج والتكتّم في الداخل جزء من الحياة اليومية للفنان والناقد الاجتماعي في بلد محافظ.

داخل جدران منزله قام غارم وفق نقل صحيفة "نيويورك تايمز" بخلق واحة من الفن تحاكي أعماله لمجموعة من الفنانين السعوديين الشباب، حيث يعتبرونه قدوتهم ومرشدهم وفي بعض الأحيان ممولهم، إذ سيقوم هذه السنة بإرشاد 20 من الفنانين في جولة فنية برعاية المركز الثقافي السعودي التابع للحكومة لعرض فنون المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية، وستُقام العديد من الفعاليات في هيوستن ولوس أنجلوس ومدن أخرى.

وعمل غارم ،43 سنة، لفترة طويلة في الجيش السعودي، وأصبح عقيداً في الجيش قبل تقاعده سنة 2014.

وثار خلاف بينه وبين مسؤولين حكوميين حول محتوى أعماله، فأقام معرضه الوحيد داخل المملكة في مقر السفير الأمريكي.

وبالرغم من القيود التي تواجهه، يُصرّ غارم على البقاء في المملكة، لعلّ أفكاره تلقى صدى في المجتمع، حيث قال "إنه واجبك كفنان أن تُبرز الخيار الذي لا يستطيع كل من السياسي ولا رجل الدين قوله"، وأضاف " أنت تطرح الخيارات التي لا يستطيع الناس البوح بها".

نشأ الفنان في المدينة المحافظة "خميس مشيط" الواقعة في جنوب غرب السعودية، وكان يحب الرسم منذ الطفولة، لكن حتى في ذلك الوقت تعرّض للانتقادات من الأشخاص الذين يعتقدون أن القدرة على منح الحياة للأشياء يجب أن تُترك لله وحده.

حيث كان مدرسوه يسألونه موبّخين "لماذا رسمت صورة"، وقال " كانت أسئلتهم تشعرني أنني مذنب، وكأن الفن معصية ارتكبتها".

أدّت تلك البيئة إلى دفع الناس باتجاه آخر حيث كان اثنان من زملائه في الثانوية ضمن الخاطفين في حادثة 11 سبتمبر، لكن والده، الذي كان يبيع الأثاث ويساعده في الاطلاع على التصميم، شجّعه على الإبداع.

وبعد إتمامه المرحلة الثانوية، قام غارم بالتقدم لدراسة الفن في جامعة سعودية لكن طلبه رفض. فعوضًا عن الدراسة تقدّم للانضمام إلى الجيش، وبعد تخرّجه من الأكاديمية العسكرية انتقل لمكان قريب من الحدود اليمنية، حيث لم يكن هناك الكثير للقيام به.

وقال "تبيّن لي هناك أن أوقات الفراغ نعمة"، لأنه أصبح يملك الوقت للقراءة وبعد أن تمكّن من الوصول للإنترنت، استطاع التعلم عن مواد غير منتشر تدريسها في المملكة، أمثال الفلسفة وعلم الأديان المقارن والموسيقى والفن.

استلهم أولى كبرى أعماله من جسر ريفي أمر مرشد ديني القرويين باللجوء إليه خلال الفيضانات، لكن المياه أدّت لانهيار الجسر موديًا بحياة القرويين عليه.

في وقت لاحق صادف غارم مكانًا كانت الحكومة قد حدّدت موعدًا لإزالته بكتابة جملة "ليتم إزالتها" على البيوت باستخدام الطلاء الأحمر، قام حينها ردًا على ذلك برسم " ليتم إزالتها" على قميصه وطلب من صديقه تصويره وهو يمشي بين السكان وبيوتهم.

وجاءت انطلاقته الدولية بعمل فني تركيبي له بعنوان "رسالة/رسول"، متمثلاً بقبة ذهبية مسنودة كأنها مصيدة حيوان وعالق تحتها حمامة بيضاء، قال إنها تعليق على الدين، والذي يؤمن أنه أمر جميل لكن قد يُستغلّ للشر.

وقام برفع إحدى أعماله للبيع في 2011 بمزاد علني أقيم في دبي، في الإمارات العربية المتحدة، حيث اشتراه مجمّع فنون إيراني ب842 ألف دولار، وهو أعلى مبلغ على الإطلاق دفع في ذلك الوقت لأعمال فنان عربي ما زال على قيد الحياة.

لم يكن غارم حاضرًا في المزاد، حيث كان في عمله على قاعدة عسكرية سعودية ولم يكن مدركًا لعملية البيع.

قال مسترجعًا اتصال أحد أصدقائه "فجأة اشتعلت هواتفي بالمكالمات –كنت أملك اثنين وقتها، ولم أكن أعلم ماذا يجري" قال فصرخ صديقه كلمة " مبروك"، فرد عليه "على ماذا؟"

بعد استرجاعه لتكاليف الإنتاج، كبيع سيارته لتمويل البرنامج، وضع المال في تمويل " Edge of Arabia" ، مجمع فني ساهم في تأسيسه، وبدأ بإرسال فنانين شباب للدراسة في الخارج، وزيارة المتاحف وتثقيف أنفسهم بطرق غير متاحة في الرياض.

ويقول معدّ التقرير التابع لمجلة "نيويورك تايمز" خلال مساء قريب في الأستوديو، دخل ستة فنانين شباب غرفة المعيشة، كانت الجدران مصفوفة بخزائن الكتب واللوحات الفنية المحاطة بأطر، والآلات الموسيقية مبعثرة على المنصات.

وبينما كان أحدهم يحضر برنامجًا وثائقيًا عن "سيمون بوليفار"، البطل الجنوب أمريكي المستقل، كان الآخرون يعملون على مشاريع على أجهزة الكمبيوتر في المكتب.

وكان غارم يتحرّك حولهم مرتديًا بنطلون جينز، وقميصًا أزرقًا باهتًا بحذاء رمادي ذي نعل أخضر فسفوري، متفحصًا خططهم ومعلقًا عليها قبل قيامه بطلب وجبات من الدجاج المشوي للجميع والخروج للعودة لزوجته وابنتيه في المنزل.

ويقول "ما زالت هناك بعض القيود على أعمالهم، ويمكن أن يتعرّض الفنانون الشباب والبنات للمضايقات بسبب لقاءاتهم في المقاهي، لذلك هم يلتقون هنا في الأستديو الخاص بي".

ولأعماله الأخيرة جانب أكثر إظلامًا، مثل فيديو يظهر رجلاً شابًا مع خريطة للعالم العربي على ظهره، وجلده ممزقًا ووضعت أكواب حرارية على جلده لتمتلئ بالدماء.

ومع انخفاض أسعار النفط بدأ العمل باستخدام براميل نفط صفراء وحمراء، وقام بقصّ أرباع مثلثة الشكل حتى تبدو أغطيتها كصور عملاقة للعبة "Pac-Man".

ويُسمّى هذا المشروع " الرخاء دون نمو" وينوي عرضه في فيينا بالقرب من مقر منظمة "أوبك".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com