مهرجان القصور الصحراوية في تونس.. أصالة تَهب الحياة
مهرجان القصور الصحراوية في تونس.. أصالة تَهب الحياةمهرجان القصور الصحراوية في تونس.. أصالة تَهب الحياة

مهرجان القصور الصحراوية في تونس.. أصالة تَهب الحياة

عاشت ولاية تطاوين، جنوب تونس، خلال الأيام الثلاثة الماضية، عرسها السنوي، المتمثل في المهرجان الدولي للقصور الصحراوية في دورته السابعة والثلاثين، مهرجان يحتفي بالتراث والعادات والتقاليد في تلك الربوع الجميلة، وسط حضور لافت للجماهير التي أقبلت على مختلف عروضه من جهات تونس، جميعها، خاصة والمهرجان يتزامن مع عطلة الربيع. وإذا كان المهرجان الدولي للقصور الصحراوية بتطاوين حقق نجاحاً كبيراً بفضل متابعة الآلاف من محبّي التراث والعادات والتقاليد، فإنّ أبرز ما شدّ الانتباه، من خلال متابعة "إرم نيوز" لمختلف فقرات المهرجان، الغياب الكلّي للسيّاح الأجانب، الذين كانوا، في دوراته السابقة، من أبرز المتابعين له، والذين يزورون مدينة تطاوين (جنوب شرق)، وعلى بعد 520 كيلومتراً عن تونس العاصمة، قادمين من مختلف البلدان الأوروبية، فيما شاركت فرق فنية وفولكلورية من مصر والجزائر وفرنسا وبلجيكا، بينما تغيب ليبيا بسبب غلق المعابر الحدودية.

رحلة عبر القصور

عاش زوّار المهرجان رحلة سياحية رائعة، بين القرى البربرية والقصور الصحراوية، التي تستوطن في قمم الجبال المحيطة بمدينة تطاوين، قرى جبلية بربرية، ما زال يعيش فيها البربر إلى حدّ الآن، ويتواصلون بلغتهم التي يعتزّون بها، ولا يزال بعضهم يعيش داخل تلك القصور، ويحافظ على عادات الأمازيغ وتقاليدهم في قرى قريميسة وشننّي والدويرات.

ولاية تطاوين التي تضمّ نحو 66 قصراً كان سكانها الرّحّل، يجمعون محصولهم من القمح والشعير والزيت، ويحفظونه في قصورهم، التي يلتجئون إليها، عندما تشحّ السّماء ويُفتقد المرعى.

أهالي تطاوين يحافظون على هذه القصور، ذات الطابع المعماري الفريد، ويتمّ ترميمها وفق برنامج واضح، وتبقى مزاراً للوافدين على هذه الربوع الصحراوية الجميلة، التي يعتزّ أهلها بها، بما ترك لهم أجدادهم.

معرض البداوة والألعاب التراثية

وأنت تتجوّل بين المعارض العديدة، تجارية أكانت أم فلاحية أم تقليدية، أم ما خُصص للفنون التشكيلية، يشدّك معرض البداوة والألعاب التراثية، بداوة بما فيها من أدوات قديمة، استعملها الأجداد وحافظ عليها الأبناء، لا بل طوّروها، فأصبحت مطلب السيّاح، حتى الأجانب منهم، يقتنونها، ويحوّلونها إلى تحف نادرة تزيّن البيوت، أو يحتفظون بها تذكاراً يؤرّخ للزيارة، أدوات تراثية استعملت في أوجه شتّى، في الحراثة، والسقي، والأكل والشرب، والطبخ، واللباس، والصيد، والألعاب الشعبية، وغيرها، تقف للحظة أمام إحدى هذه الأدوات، فتعود بك الذاكرة، إلى مراحل مضيئة من تاريخنا الثريّ بالأمجاد، وتشدّك إلى عهود لم تعشها، ولكنّ الأجداد مرّروها عبر الحكايا، في زمن لم يُعهد فيه الإنترنت، فرسخت، من جيل إلى جيل.

جمال الخيول

في ساحة المهرجان الفسيحة، التي غصّت مدارجها، بالجمهور المحبّ للخيل وسباقه، خيول عربية أصيلة وأخرى بربرية، تتسابق من أجل اختيار أجملها، بينما يهتمّ البعض بمسابقة الفروسية التقليدية، ويصرّ الفرسان على ارتداء ملابس مزركشة، جميلة، ويزيّن فرسه بأجمل الحلل التي أعدّها خصيصاً لهذه المسابقة، وينطلق السباق، فترى الوجوه مشرئبة، تبحث من بعيد، عن أحسن الأفراس، وأسرعها، وتتصاعد الأصوات تشجيعاً، بينما الغبار، ينبعث إلى السماء، من بين حوافرها.. مشاهد رائعة، تزيدها تلك الأجواء الرائعة، جمالاً، وهو ما عبّر عنه أحد الفرسان (محمود، ع) لإرم نيوز: "لقد تعوّدت على المشاركة في المهرجانات، وحتى أنجح في ذلك، فأنا أستعدّ لذلك، فألبس زيّاً خاصاً بالمناسبة، وألبس كذلك فرسي، قطعاً مزركشة، تزيدها جمالاً".

سهرة الصوت

في قصر أولاد سلطان، على بعد نحو 20 كيلومتراً من مدينة تطاوين، تقام سهرة الصوت، سهرة التراث والغناء البدوي والشعر الشعبي (النبطي)، وبرغم بعد هذا القصر الجميل عن المدينة، فالجماهير التي حضرت تعدّ بالآلاف، داخل القصر الذي تمّ ترميمه، في منطقة مرتفعة.. فنانون وشعراء قدموا من مختلف جهات تونس، ويتابعه الحاضرون بشغف كبير، شعراء وفنانون تغنّوا بالحب العذري، وعادات البدو في حلّهم وترحالهم، تغنّوا بجمال الخيل والإبل، والفرسان، والصحراء، وحفلات الأعراس التقليدية.

وأكد الشاعر بلقاسم عبداللطيف في إفادته لإرم نيوز، أنّه لم يكن ينتظر مثل هذا الإقبال الجماهيري الكبير؛ ما جعل السهرة تحقق النجاح المرجوّ، مشدداً على أهمية أن يخرج الناس لمتابعة السهرات الفنية متحدّين الإرهاب، وهو أبرز ما يميّز نجاح المهرجان في تشجيع السياحة الداخلية من خلال أنشطة فنية وثقافية.

تحدّ للإرهاب

نائب رئيس المهرجان مصباح شنيب، أكد في حديثه لنا، أنّ الإقبال كان كبيراً جدّاً، حيث ازدهرت السياحة الداخلية، متحدّين الإرهاب، لمتابعة مختلف العروض الجماهيرية، وخاصة في سهرة "الصوت" في قصر أولاد سلطان، أو في سهرة "الموقف" في قصر الزهراء، وكذلك السهرة الكبيرة في خيمة داخل الملعب الرياضي.

واعتبر شنيب أنّ الفرق الفنية من مصر والجزائر أسهمت بشكل كبير بالعروض، في شكل لوحات راقصة ومنها الضرب على الدّفّ، مؤكداً أنها لاقت الاستحسان والإعجاب، إذ شاركت الفرق المصرية في تنشيط الساحات العامة داخل المدينة.

وحول أهمية القصور الصحراوية، أكد نائب رئيس المهرجان شنيب أنّه تمّ إعدادها من طرف الأجداد لتخزين المؤونة، وهي محافظة على شموخها منذ دهور، وتبرز تكيّف الإنسان في هذه الربوع مع المحيط الصحراوي، وصعوبة العيش فيه.. وبعد أن كانت مهمتها اجتماعية في الماضي، نروم اليوم أن نراهن على دور سياحي وثقافي تؤديه، لتبقى محافظة على قيمتها، شامخة في قمم الجبال.

تطاوين.. العيون الجارية

أكد المؤرخ محمود بالطيب، حول أصل تسمية مدينة تطاوين، على أنّ "تطاوين أو تطاون (بكسر التاء)، هي لفظة بربرية تعني "العيون الجارية".

وجاء في الرواية الشفوية أنّ المكان الذي أحدثت فيه قرية تطاوين باسم "عيون جارية" يسمّيها سكان المنطقة إلى اليوم بلفظ "الشّريعة"، وهي أحد روافد وادي تطاوين الذي يتميز باتساع مجراه المنساب عند قدمي الجبل الأبيض، منحدراً من جبال الدويرات ومتّجهاً نحو وادي "فسّي" حتى أنّ المنطقة نعتت باسمه.

ويسمّى هذا الموقع أيضاً بــ"فم تطاوين" إشارة إلى ثغرة فسيحة بين جبلين بسلسلة الجبل الأبيض، تقع عند مدخل تطاوين من الجهة الشمالية الغربية، وهي تمثل نقطة عبور لكل قادم نحو منطقة تطاوين. أما من الناحية الجنوبية فإنّ هذا الفم ينتهي بمضيق على شكل عنق يسمى محليّاً بـ"الرقبة"، وهو يربط المنطقة بسهل الفرش ومن خلاله تتصل بمرتفعات جبل دمّر والصحراء.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com