فنجان قهوة ودخان سجائر.. طقوس "غريبة" جسّدت إبداع الأدباء
فنجان قهوة ودخان سجائر.. طقوس "غريبة" جسّدت إبداع الأدباءفنجان قهوة ودخان سجائر.. طقوس "غريبة" جسّدت إبداع الأدباء

فنجان قهوة ودخان سجائر.. طقوس "غريبة" جسّدت إبداع الأدباء

موسيقى منبعثة من مكان ما في الغرفة، عشرات من فناجين القهوة عاشت حياة قصيرة وانتهت على سطح المكتب، دخان السجائر الكثيف يتحول مع الوقت إلى أجواء ضبابية أقرب إلى المنام والغفوة، هكذا تولد الكتابة من رحم فعل إنساني جميل، مرتبطة بعادات وطقوس أصحابها، أولئك البشر المختلفين حقًا، ولكن المنسوجين أيضًا من وجع إنساني له ملامحه.

وفي "عادة" الكتابة، خصوصًا في زمن الأقلام والأوراق البيضاء، أي قبل شيوع عادة الكتابة على الكمبيوتر مباشرة، كان أهم ما يشغل عمّال المطابع خط الكاتب، وما إذا كان جميلاً مقروءًا، يعينهم على إنجاز عملهم بيسر، أو شائك التفسير، عصيَّ الفهم، يوقعهم في حيرة وإرباكات لتفسير هذه الكلمة أو تلك.

ومن بين هؤلاء، الشاعر والكاتب المسرحي السوري المبدع الراحل ممدوح عدوان، والذي كتب كثيرًا، وفي أجناس أدبية متنوعة، من الشعر والمسرح، إلى الترجمة عن الإنكليزية، إلى الأعمال الدرامية التلفزيونية، لكن كل تلك الطاقة الخلاقة لم تشفع له عندما يكتب بخطه الشائك والعصيّ على التفسير، حتى صار في زمن الكمبيوتر، يعمد إلى استخدامه مباشرة في الكتابة، أو على الأقل استخدامه في "تبييض" ما سبق وكتبه بخط يده.

كما يبحث الروائي المغربي الكبير ووزير الثقافة الأسبق بنسالم حميش، في طقس الكتابة عن الهدوء، فهو يتوحد مع فعل الكتابة، ينفصل عما سواها، فهو يكتب وكأنه ذاهب إلى المحراب، فلا صوت يعلو فوق صوت مناجاة الورق، يقول في أحد أحاديثه المعلنة: "مكاني المفضل للكتابة مكتبي-خزانتي، أو أي مكان مغلق لا أسمع فيه لغوًا أو حتى حفيف جناحي ذبابة".

وتابع: "ملجأي هو الكتابة وقاعدتي الخلفية الأبقى، إنها كترياق استشفائيّ يهب متعةً وأيَّ متعة! فإن وجدتْ في القراء من يقطف قسطًا منها فأهلًا وسهلًا، وإلا فإنها وحيدتي وأنا وحيدها، المتعة التي أجلبها لنفسي من الكتابة هي ميزاني الأوحد وبوصلتي الأمثل، آخرون سواي قد يشاركونني إياها، ولو بدرجة أقل، أما المتخلون عنّي فلا أستطيع لهم شيئًا، إذ لا وجهتي وجهتهم، ولا سكرتي سكرتُهم".

أما الشاعر الفلسطيني المعروف عز الدين المناصرة، كان فقط يطلب مكانًا هادئًا، ولا يهم بعد ذلك اسم المكان أو حتى طبيعته.

ويأتي الوحي لأمير الشعراء أحمد شوقي، في أي مكان، لذلك كان لا يثق أبدًا في ذاكرته، حيث كان يكتب "الوحي" ما أن يأتيه فوق أي شيء يجده حتى ولو كانت علبة سجائره، ويُحكى عنه أنه كتب يومًا على فوطة مطعم كانت موضوعة أمامه، ومرة أخرى لم يعثر على شيء فكتب على كف يده.

واشتُهر الصحفي الكبير أنيس منصور، بأن له عادات خاصة بالكتابة، فكان لا يكتب إلا فجرًا في الرابعة صباحًا، وهو حافي القدمين ويرتدي البيجاما، وكان ينام عددًا قليلاً من ساعات اليوم، كما كان هاجسه الأكبر هو الإصابة بالبرد.

ولقد أدرك الكاتب الكبير نجيب محفوظ، أن الكنز الفعلي للكاتب هو الزمن المعطى لنا، فهو هبة الحياة ومعجزتها المتكررة كل صباح، من هنا كانت عاداته المنظمة اتصالًا بالهبة الزمنية وامتثالًا لاشتراطتها، وكان درسه لمريديه من الكتاب والروائيين الذين ينتمون لأجيال إبداعية وزمنية مختلفة عنه، وحسبما يروي الكاتب الكبير محمد جبريل، أن أداة المبدع الحفاظ على الوقت إذا كان ذلك تحت وطأة المدينة، وحماية الجسم إذا كان ذلك في عالم التوترات والانكسارات والإخفاقات الذي نحياه متاحًا .

فطوال مسيرة محفوظ الأدبية، لعب المقهى دورًا كبيرًا في كتاباته، فكثيرًا ما يستقي من المقهى شخوصًا وأفكارًا لأعماله الأدبية، وكان يبدع في الكتابة صيفاً وشتاءً، ويستمع إلى الموسيقى قبل الكتابة، أما أثناء الكتابة فكان يشرب القهوة ويدخن بشراهة.

ولا يكتب الروائي المغربي الكبير الطاهر وطار، في بيت الزوجية أبداً، وكتاريخ للبدء في الكتابة، فإنه يختار شهر أبريل لكتابة رواياته، فهو شهرٌ يمتاز بطول النهار.

ويستخدم الطاهر وطار، الحاسوب للكتابة، وعندما كان يستخدم القلم كان يكتب في سجل، ويصحح الأخطاء بقلم أحمر، ويبقى من التاسعة صباحًا حتى الخامسة عصرًا دون طعام.

لا يتعد الطاهر وطار خمسة عشر يومًا في كتابة رواياته، وكل موضوع روائي له موسيقاه التي ترافقه أثناء كتابة الرواية.

هناك من المبدعين من يربط فعل الكتابة بالجمال في ممارستها، فالكاتب المسرحي محمد الماغوط، صاحب المسرحية الشهيرة "كاسك يا وطن"، كان يستمتع بالكتابة، مستخدمًا قلم حبر جميل على دفتر أنيق.

كذلك الشاعر الرائع نزار قباني، فكان يكتب على ورق ملّون أصفر أو زهري، وكان يعيد الكتابة على الورقة الواحدة عدّة مرات، وينفصل تمامًا عن كل ما هو محيط به حتى ينهي كتابة القصيدة.

ومن المعروف عن الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، كثرة تمزيقه للأوراق أثناء الكتابة، ولم يستخدم الحاسوب للكتابة، فقد كان يكتب دائمًا بقلم حبرٍ سائل.

يتنقل الروائي والقاص الأردني من أصل فلسطيني جمال ناجي، كثيرًا داخل البيت وخارجه أثناء الكتابة، ويستخدم الحاسوب بشكل مباشر، ويدخن كثيرًا ويشرب القهوة المرّة، ويعتبر وجود فنجان القهوة ذو اللون الأبيض ضرورة لابد من تواجدها في مكان الكتابة، فيصطحب معه الفناجين البيضاء عندما يسافر، وتكاد تزيد أهمية الفنجان عن القهوة نفسها لدى ناجي، فكما يقول: "لو نفذت القهوة عادي، لكن المهم ألّا يذهب الفنجان".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com