ألمانيا: المساعدات التي دخلت غزة قليلة جدا ومتأخرة جدا
"أمّا بعد"... إصدار جماعي طريف التقى فيه أربعة طلّاب تونسيين جمعهم حبّ الكتابة ورغبة في إثبات ذواتهم واهتمام مشترك بقضايا المجتمع وفي التغيير برؤية تراعي عصرهم ورؤيتهم المختلفة للأشياء.
والكتاب الصادر عن دار "نقوش عربية" حمل توقيع خديجة الكوكي وإيناس الجفالي وحسام بن شعبان وحسام الرياحي وتأطير الأستاذ أمين الحسيني، يتضمن نصوصا مسكونة بالوجع والحبّ والخوف، وهو ثمرة تجربة رائدة أطلقتها جمعية "مبدعون" الناشطة في مجالات ثقافية المختلفة في تونس والتي بعثت مشروع "الإيقاظ الاجتماعي" ومثّل هذا الكتاب أحد ثمار المشروع.
وقدّمت لهذا الكتاب أستاذة اللغة والحضارة العربية بالجامعة التونسية الدكتورة آمال القرامي قائلة إنّ الكتابة فعل تحرر من أسر الواقع والتقاليد والعادات والسلط القهرية، الكتابة شكل من أشكال إعادة بناء الذات وإضفاء معنى على الحياة، ومن ثم انطلق هؤلاء الشباب في إفراغ ما جادت به القريحة وما اختلج في الصدور من أفكار وتطلعات، ساعين إلى إثبات ذواتهم، حالمين بفرض وجودهم، يحللون واقعهم عبر قصص مبنية على الرفض والتمرد والتطلع إلى التغيير.
جدل
والكتاب رغم صبغته القصصية لا يخلو من طرح فلسفي ومن تفكيك مفاهيم صعبة بطريقة علمية وبسيطة، فكل كاتب للقصص الأربع يسعى إلى الظهور بكيانه المستقل وطريقته في التفكير ونقد الواقع ومحاولة إعادة بنائه، ومن ثمة أنتج الطلّاب الأربعة نصوصا مختلفة من حيث الطرح وزوايا الرؤية، مُربكة ومُتعبة، ما دفع القارئ إلى طرح أسئلة ظنّ أن إجاباتها محسومة، منها "أيّ طريقة يجب أن يعامل بها المجتمع الشباب؟ هل هم حقا وحدهم الكبار الذين يملكون الحقيقة؟ أم أنّ للصغار حقيقتهم التي تشبه واقعهم وتنطلق من طريقة طرحهم للمفاهيم؟ أي دور للإبداع في نسف الخوف وتحويله إلى نص ابداعي جميل؟ وغيرها كثير.
والكتاب في كل ذلك يعكس أربعة أحلام تشكلت من خلال الكلمات، يوغل كتّابها في نقد الواقع وطرح البديل، يسعون من خلال كتاباتهم إلى صناعة ثوراتهم الذاتية وتحقيق ذواتهم المتحررة غير الخاضعة للعادات ولا الأنظمة التقليدية البالية، ويقول الطلّاب الأربعة في حصة تقديم إصدارهم الجديد «نكتب لأننا نريد أن نعبر عن ذواتنا، نحن نختلف عن الأجيال السابقة، لنا رؤيتنا النقدية كذلك فقط المجتمع لا يريد أن ينصت إلينا فوجدنا في الكتابة فرصة للحرية، الكتابة كانت كما الترياق به أنقذنا ذواتنا الحالمة".
انعتاق
وتطرح خديجة الكوكي في القصة الأولى "الاكتئاب الباسم" حكاية بلقيس، الشابة العشرينية التي تعكس طريقة عيش كثير من الشابات في مثل عمرها، أنثى مختلفة تحاول التغلب على القوالب المجتمعية التي تكبّلها وتسعى إلى الانعتاق منها والتحرر نحو حياة على النحو الذي تتصوره، وعلى امتداد القصة تكافح بلقيس لإثبات ذاتها وسط سيل من الأسئلة تحاول من خلالها كسر ذلك الجمود وتلك القوالب الجاهزة.
وفي قصة "سجينة الحياة" تنحاز الكاتبة إيناس الجفالي إلى المرأة في مواجهة "مجتمع ذكوري" يسلط عليها شتى أنواع العنف، وتحاول الكاتبة الشابة إظهار قدرة المرأة في كل ذلك على التغلب على عذاباتها وقيودها والانتفاض على واقعها لتصنع شخصيتها المتفرّدة وواقعا أشدّ قوة وانسجاما مع أحلامها وطموحاتها.
تحولات
ويتساءل حسام الدين بن شعبان في القصة الثالثة "حياة دون ملامح" عن الهوية وتأثير المجتمع على الأنا، وعن ملامح المثقف المعاصر والوجع الذي يسكنه اليوم وعن أمراض العصر وتعقيدات الواقع.. وينطلق من قصة طبيب نفسي، يفترض أن يكون شخصا سويا يعالج المرضى، لكنه يعاني بدوره من مشاكل نفسية عميقة.
وينطلق حسام الرياحي في قصته "الإصلاحية" (سجن المراهقين غير البالغين) من واقعه في حي شعبي شمال تونس العاصمة، حيث يرصد قصة تحوّل طفل إلى مجرم، لتمضي القصة بتفاصيلها المثيرة والمشوقة إلى ما يشبه الدراسة الاجتماعية لظاهرة الانحراف وأسبابها وتفشيها في الأحياء الفقيرة، وسبل معالجتها وإعادة بناء شاب سويّ