الجيش الإسرائيلي يؤكد إسقاط مسيرة بعد دوي صافرات الإنذار في عسقلان
يربط الشاعر العراقي أحمد ضياء بين أحاسيس الإنسان وذاكرته من جهة، وبين الذكاء الاصطناعي المتمثل بالروبوتات، وصولا إلى كائن السايبورغ الآلي - وهو كائن هجين نصف آلي ونصف إنساني - في مجموعته الشعرية الرابعة "ورقة ميكانيكية للحياة"، الصادرة عن دار أبجد للترجمة والنشر والتوزيع 2020.
ويستشرف الشاعر في مجموعته الجديدة مستقبل الإنسان وتحوله في المستقبل القريب إلى "الإنسان الميكانيكي"، في ظل تعرض البشر للإصابات والعطب، وبتر الأعضاء، بسبب الحوادث والحروب، والتفجيرات والألغام والتصادمات، الأمر الذي يؤدي بالإنسان إلى ابتكار البدائل للتغلب على النقص المروع في جسده وتركيبته.
أفكار غريبة وشيقة يسوقها ضياء في نسقه الشعري، من خلال لغة قوية متسمة بالجرأة في الطرح، والإيجاز في الكثير من المطارح، وبالنفَس السردي في أخرى، محققا صفات قصيدة النثر، والنص الشعري المفتوح المتعدد الهيئات.
ومن خلال 30 نصا قصيرا، ممتدة على 92 صفحة من القطع المتوسط، ظل محافظا على عدم تكرار الأفكار، والتنوع في أساليب الصياغة والمحتوى.
أداة الشر
كتمهيد لخطته، يعطي الشاعر صورا متنوعة للآلات التي يستمر من خلالها الإنسان في تكرار الشر، أدوات الإماتة والإعطاب، وبطريقة لافتة صنع لها الشاعر صوتا، وخطابا، يحاكي ما يقوم به الإنسان في الواقع.
فيكتب في نص "الأدوات متخمة بما تراه":
"المسدس:
أتلذذ بالنواقيس،
وهي تخرج من عنقي،
شاجة المارين بها.
السكين:
أحاول أن أخلق عالما رومانسيا من الذبائح،
وأرسم الطرقات بالدم.
منشار:
يوما ما سأبحث عن ظلي،
وأركب التضاريس من جديد.
يوما ما سآكل كل النوافذ،
وأحلِق الأرواح
الطافية على سطح الأرض.
سيف:
مقصوص الرقبة
الرذاذ"
الإحساس كروبوت
وما بين رغبة الشعر في تأصيل أحاسيس الإنسان، واتجاه واقعي تفرضه كافة المعطيات، حول مستقبل الإنسان في ظل الواقع الافتراضي، دمج غريب يطرح الكثير من الأسئلة حول قدرة الشعر في الإيغال لكافة موضوعات الحياة.
يكتب ضياء في نص"مناجم لفحم الروبوتات":
"ضُبّ سيرة ألمي جيدا،
اعتبر تلك اللحظة تأريخا مشرعا بالرغبات،
لم أك يوما ساديا،
غير أن الأعصاب المزروعة في تلافيف اختلافنا،
ظلت تنتظر فعلا هادئا لتنجو.
لما عملنا سويا على استنساخ خلايانا،
فضلنا المضي صوب وسادة الافتراضي،
الذي ظل دائما يحرث في إنتاج أحاسيسنا،
نحن المغلوبون على أصابع الحنين
...
نؤرشف أوشام الحواسيب في أدمغتنا"
فناء الشعر
أما عن طريقة الحياة، ويوميات الإنسان، فصور الشاعر المتجددة تبدو مثيرة، بوصفه العملية المتسارعة للحياة في استيراد البارود، واستمرار القتل والإعطاب، مشيرا بذلك إلى انعدام قيمة الحس البشري، فهل هذا يؤدي لفناء الشعر مستقبلا؟
يكتب ضياء في نص "موائدنا عامرة بالجثث الآلية":
"نصدر الدم والمقابر،
ونستورد البارود لأبنائنا،
نحن المهزومون المنتصرون المتصارعون مع جلودنا،
نغسل الأصوات حين تفُضّنا المآتم"
ذاكرة بأزرار
ويُسقط الشاعر سلوكيات الإنسان حاليا مع أدوات التكنولوجيا، فيصف كيف أن ذاكرة الإنسان صارت مرتبطة بأزرار اللابتوب، ولمس مستمر على شاشة الهاتف.
فيكتب في نص "هل أستطيع أن أفكر برأسين؟":
"في أغلب التضاريس المشوهة التي أعاني منها في داخل أمواج حياتي، فضّلت جمع كافة الإعاقات الإنترنتية، ورمي فضائل أصابعي على مدونتي، أبحث كالعادة عما هو مناسب في خالجات أوتار اللابتوب، ليكون بمثابة أيقونة حاضرة في أخبار اليوم الشعرية، فمن اليسير أن أقرأ العالم عبر شريط لا يتجاوز الخمس دقائق".
صورة فضائية
كما يمزج ضياء بحرفية بين البعد التأملي للشعر بتقريب وإبعاد المشهد، لرصده، وبين البعد الكوني بصوره الفضائية، ذاهبا إلى فرضية الاكتشاف العكسي لكائنات أخرى في الكون لسكان كوكب الأرض، معبرا عن صورة كوكبنا البائسة من بعيد.
يقول الشاعر في نص "ويخبروننا عن أشهى الأعضاء الآلية":
"نحن سكان المريخ،
نرى الأرض على هيئة حوادث وانفجارات،
نرقبها بالكثير من الانفعال،
كل هذا ويجيئون ليعيشوا هنا،
نحن نختبئ حال وصول أي مركبة فضائية،
حتى لا تتكرر أفعالهم الطفيلية فينا.
نحن السكنة المجردون من الألم،
بدأنا نحبس البوح،
نرشّه على علب حمراء،
لا نكترث للشمس،
نبرمج دموع الأرضيين،
لنحشد انسجامنا بسباياهم".
سايبورغ
بينما يشير أحمد ضياء في ختام مجموعته للكائن "السايبورغ"، على طريقة شخصية "أليكس مورفي"، في فيلم "روبوكوب"، الشرطي المميز الذي تعرض لإصابات بليغة تسببت في إعطاب جسمه، ليتم تحويله لتجارب خاصة بدمج أجزاء آلية فيه، ليخرج لنا في صورة الشرطي الآلي الذي يمكن برمجته، لكنه يبقى محتفظا بصفاته وذكرياته البشرية.
يسوق الشاعر ذلك بكتابة "بيان ما بعد الجندر الشعري":
"أعلن كياني اللاهب، الذي يتمثل في نانوية الأجزاء الجسدية الفاعلة، ضمن فضاء سيبراني متمثل بشكل مركزي في العتبة الأولى المسماة ما بعد الجندر، فالخزائن اللولبية للمسرح/ الحياة/ الآلة بدأت تكون قرينا دائما لروحي، وبهذا الصدد أكشف للعالم بأني السايبورغ الذي من شأنه التعلم على مجمل الأوتار الأيقونية الفاعلة والهادفة، وبالتضامن مع الآلة، في خلق ذاكرة اصطناعية للفرد، والتخلي عن العملية البايلوجية (الزواج) والعمل بموجب ما يمكن أن تفتحه الآليات الذكية، الذهاب إلى أن يكون الإنسان متحررا من الثنائيات، التي وجدنا ذواتنا عليها".