"حبسة الكتابة".. مشكلة تؤرق المؤلفين والعلاج النفسي أحد الحلول
"حبسة الكتابة".. مشكلة تؤرق المؤلفين والعلاج النفسي أحد الحلول"حبسة الكتابة".. مشكلة تؤرق المؤلفين والعلاج النفسي أحد الحلول

"حبسة الكتابة".. مشكلة تؤرق المؤلفين والعلاج النفسي أحد الحلول

تزداد معاناة الكاتب أكثر فأكثر، كلما طالت مدة توقفه عن الكتابة، إذ يكون مشروعه الثقافي مهددا بالفشل في حال عدم قدرته على العودة لممارسة ذلك.

كثيرة التأويلات التي تدور حول فعل الكتابة في حياة المؤلف، وعلى اختلاف نوعيات الكتّاب، فإن الكاتب الحقيقي دوما بحاجة للكتابة، ليس لأنها هواية، أو موهبة، لكنها مساحة تفريغ، لابد منها في حياة شخص يعيش على التأمل، والإسهاب في التفكير في تفاصيل، لا يلتفت إليها كثيرون.

تحد مع عقد النشر الأول

حين يبدأ المؤلف رحلة احترافية مع اللغة، وينجز منشوره الأول، يدخل في رهان معقد مع الحياة. فطريق الكتابة من أصعب الطرق كمجال احترافي، وكذلك جميع المجالات التي تعتمد على الابتكار.

لذا، يكون التحدي بدأ، بمجرد أول عقد طباعة لكتاباته مع الناشر.

كثيرون ممن خطوا هذه الخطوة ثم خانتهم الفكرة، ركنوا على جانب الطريق، وغادروا ملعب الكتابة للأبد، لكن البعض يتوقف، يعيد ترتيب أوراقه، ثم يعود وينجح، أو يفشل.. كثيرة هي الاحتمالات.



شلل

حين سئل الشاعر الإنجليزي تايلر كولريدج عن سبب توقفه عن الكتابة، في سن الخامسة والعشرين، أجاب: اذهبوا لرجل مشلول، واطلبوا منه فرك يديه، هل يستطيع؟.

فيما كتب بول فاليري الشعر والنثر حتى العشرين من عمره، ثم انقطع عن الكتابة لمدة عشرين أخرى، للبحث ودراسة أبعاد العقل، وبتشجيع من أصحابه عاد، لينال الشهرة العظيمة في مطبوعاته الأخيرة الثلاث.

ونجد أن مالارميه "هاملت الكتابة" كما وصفه رولان بارت، قد أنتج ونشر 60 قصيدة فقط، خلال 36 عاما من الكتابة. والمثير للاستغراب دوما، توقف الشهير رامبو عن الكتابة في سن 19 عاما، الذي يعتبر من مؤسسي درب قصيدة النثر في العالم.

إلهام

لقد أثرت المدرسة الرومانسية في صفات الفن والإبداع بشكل عام، حين ألحقت لحظة الكتابة بفكرة الإلهام، بمعنى أن الشاعر يتلقى مصدرا كونيا خارجيا، هو السر في إبداعه.

قبل ذلك كانت فكرة الكتابة تعود لجهد عقلي يمارسه الكاتب بشكل يومي، إذ يجلس بالساعات كل صباح، محاورا ذاته، لينتج كمّا كبيرا من الصفحات.

لقد حد الرومانسيون من هذا التوجه، وأخضعوا الكتابة للإلهام، فتعقدت المهمة لدى الكثير.



علاج نفسي

إن تحجر الكتابة لدى المؤلف، يدفعه إلى مناطق غير محسوبة النتائج، فقط إنه يحاول إخراج نفسه من سجن لم يعتد عليه، فالكتابة فعل حرية لا أعلى منه.

فمن المؤلفين من يلجأ إلى الأطباء النفسيين، للعلاج من حبسة الكتابة لديه، فتناول مضادات الاكتئاب مثل Prozak يشعرهم بهدوء يعيدهم لطاولة الكتابة. كما يتناول البعض، الريتالين، ومنشطات أخرى، تساعد في العودة للتركيز والانتباه.

روبرت فلاهيرتي، المخرج والمؤلف، في كتابه "الدافع إلى الكتابة حبسة الكاتب والعقل الإبداعي" يورد أن من أسباب الإقبال على الكتابة، وجود اضطراب عقلي عند الكاتب، وقد أعطى مثالا عن الكاتبة الأمريكية كاي ريدفيلد جاميسون، فكان نجاح المسيرة الإبداعية لها، يقوم على الهوس والوسواس القهري.، فكانت تعاني من متلازمة ثنائية القطب.

مضخة الأفكار

إن الشعور بوجود فجوة في الداخل، تحول دون التقاط الأفكار الخلاقة، يعني أن مضخة الأفكار لدى المؤلف قد أصابها العطب، ويصاحب ذلك فقدان القدرة على التركيز، كأنما وعي الكاتب مخفف بالماء.

وقد تتواجد الفكرة، لكن الفشل في الصياغة هو العائق الذي يمنع تشكيل كلمات اللغة بحيث يتكون نص ناضج، فتنكسر آمال الكاتب عند هذه اللحظة، ومع تكرارها، يفقد حافز الاستمرار في الكتابة، بل ويزداد الضغط عليه في كل محاولة فاشلة.



تسويف

وعندما ينضب مخزن الأفكار لدى الكاتب، أو يفشل في الصياغة، يكون الحل الأسهل لديه، التسويف، فيؤجل مهمة الإنتاج الفعلي للنص، ويضع في وعيه فكرة أخرى، وهي بمثابة المهرب، بأن الأفكار قيد التخمر، أو أنه بحاجة لتجارب جديدة. إنها وصفة مقنعة لبدء الانقطاع الأكيد عن الكتابة.

الإحساس بالمسؤولية

فيما يذهب كاتب آخر للتوقف بعد نشره كتابه الأول، والسبب في ذلك هو إحساسه بالمسؤولية بعد النشر، فتزداد تخوفاته من عدم قدرته على الوصول لمستوى أفضل في المنشور الثاني، أو تقديم محتوى إبداعي مغاير عن سابقه.

كما أن مسألة تكرار الذات تعد من أكبر المؤرقات في حياة الكاتب، وتسبب له حيرة في البحث عن الجديد في جانب اللغة.

ويقول دا شيل هاميت: "إنها بداية النهاية كانت، حين عرفت أن لدي أسلوبا"

والمداومة على الكتابة، مهما كان مستواها، تساعد على تجاوز محنة المنع، ومع التجربة المستمرة، سيتحقق الهدف المأمول لدى الكاتب، بالوصول لنص ناضج.

كما أن استمرار الابتعاد عن الكتابة، بالطبع لن يجعل الموهبة تجف، لكن هنالك مهارات مكتسبة، تنزف تدريجيا مع طول فترة الابتعاد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com