ما بعد وباء كورونا .. هل من ثقافة جديدة للإنسان؟
ما بعد وباء كورونا .. هل من ثقافة جديدة للإنسان؟ما بعد وباء كورونا .. هل من ثقافة جديدة للإنسان؟

ما بعد وباء كورونا .. هل من ثقافة جديدة للإنسان؟

ينكمش شعور الإنسان إلى الحد الأدنى من مستواه في وقت الأزمات، فلا تكون الممارسة الطبيعية لحياة الفرد دون إتاحة سبل الراحة اللازمة لاستئناف النشاط الذي يوصل المرء إلى التفعيل المطلوب للعمل، أو لنيل المتعة، أو للسفر والسياحة.

وفي ظل توقف مطارات العالم عن استقبال الزائرين، وتقلص حركة الإنسان الداخلية، إلا في الحد المعقول، بسبب قيود الحجر المنزلي، تبعا لإجراءات الوقاية للحد من انتقال فيروس كورونا، فإن ضيق هذه الحلقة جعل الأفراد يفكرون في ملء مساحات شاسعة من الفراغ اليومي، بعدما كان المعظم لا يجد دقيقة يهرب بوساطتها من عجلة الحياة العملية، التي لم تتوقف عن الدوران لسنوات طويلة. وظهرت عادات جديدة لدى الإنسان العصري، بعد منع سابقة لها، نتيجة للحجر المنزلي، والجلوس الطويل في الغرف المغلقة أمام أدوات التكنولوجيا.

تعطل اليد

لقرون طويلة، كانت يد الإنسان في مقدمة ما يلجأ إليه من أجل التعبير عن كم السلام داخله، ومدى قدرته على إقناع من حوله بالود والقبول. تتلامس يدا شخصين بطريقة السلام المألوفة كماركة تجارية، فتنهال الضحكات بينهما، وتتفعل مشاعر الود بينهما أكثر فأكثر. هذا ما كان في الماضي، ما قبل كورونا. الآن، لا تلامس لليدين، يجب الحفاظ على المسافة، لا أحضان ولا قبلات.



 

خريطة دفء

منع التلامس بحد ذاته يمثل حاجزا عنيدا بين المتحابين، ففي باطن الكفين ترتسم خريطة الود والدفء بأكملها، وحتى تضيء هذه الخريطة لا بد من السلام. اليد ثقافة تم قفل مراكزها في عقل الإنسان، وتمت المفاضلة بين حياة الإنسان، من جانب، وحرية التعبير عن مشاعره باليد من جانب آخر. والسؤال المطروح: هل الغسل المتكرر لليد الإنسانية، هو بطريقة أخرى، وسيلة لإسقاط ثقافة دارجة لقرون طويلة، ألا وهي السلام باليد والقرب الجسدي من الآخر عند اللقاء؟

في مقطع شعري لإميلي ديكنسون تقول: "أن تكون على قيد الحياة هو القوة، الوجود بحد ذاته، دون أي وظيفة، هو كل شيء وكفى، أن تكون على قيد الحياة هو تمام الإرادة". لقد كتبت هذه القصيدة في منتصف الحرب الأهلية الأمريكية 1863. إن ديكنسون بذلك كانت توثق لحظة شعورية في حدها الأدنى، هي لحظة انعدام الفرص في البقاء، ونزول منسوب الحياة لدى الإنسان وقتها إلى القاع. وهل غير الشعر يخبرنا بمشاعر كثيرة حول لحظة واحدة؟ كما قال مارك ستراند.



تجدد اللحظة

منذ نشأة البشرية، في الغالب، لم يسبق أن توحد العالم بأكمله جغرافيا، حول فكرة واحدة في نفس الوقت. فلطالما لاحظنا ميل البشر إلى الاختلاف في القناعات والميول والظروف، وحتى في العقائد، إلا أن أزمة كورونا جعلت من الإنسانية تتأزم من فكرة واحدة في نفس الوقت، ألا وهي فكرة الخوف والحذر، والاهتمام بالنظافة الإجبارية.

فكرة الخوف تمددت لتغطي الكوكب بمعظم مساحاته، وهذا الشعور له أن يمتد في بعد آخر غير المكاني، فبعد انزياح شر كورونا، لهذا الخوف أن يستمر في عقل المرء، كثقافة جديدة نتيجة للأزمة. وقد يصبح تكرار لحظة الخوف طابعا جديدا في الوعي البشري، الخوف من كل الأحداث حوله، من أي لحظة، كانت طبيعية في ما قبل، تتكرر لحظة الخوف هذه، مثلما تكررت لحظة ديكنسون العالقة في القصيدة بعد ما يقارب قرنين ونصف القرن.



دائرة كاملة لا قوس

تعتبر العزلة الاختيارية نوعا من الرفاهية، فحينما يطلبها الإنسان يكون يتتبع ميله لتحقيق لحظة توازن داخلي، إما أن تكون العزلة دينية، أو أدبية، أو لحظة خاصة، يحتاج المرء فيها لتجريب نفسه، والحصول على إجابة بدائرة كاملة، لا بقوس، حول فكرة ما. أما أن تكون العزلة إجبارية، كأن يحجر المرء في حال المرض، أو السجن، أو حين تدق طبول الحرب، فهنا شعور غريب سينتاب الإنسان.

إن ضيق الجدران حوله، وعدم قدرته على ممارسة غريزته الاجتماعية، يشبه أن يُملأ فم أحدهم بالماء، ويطلب منه التكلم. وهو نفسه ما ألحقه وباء كوورنا بالعالم الواسع، لا حركة من المنزل، لا زيارات للأهل والأصدقاء، لا سفر. والسؤال هنا: هل يمرر هذا المنع صفات جديدة للمرء على الأرض، مع اكتشافه لطباع مخفية داخله، طيلة مدة الحجر؟

لا بد أن أزمة كورونا تُعدّ البشرية لمنصة جديدة، قد تمحو الكثير من طباع كانت في الماضي، ما قبل كورونا، ثيمة أساسية في حياة الفرد، ولا بد أن خصائص جديدة ستضاف للإنسان بعد معايشة مريرة، ومركزة، لأجواء المنع بفعل هذا الوباء، هذا ما ستؤكده أو تنفيه الأعوام القليلة القادمة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com