نتانياهو لماكرون: إسرائيل تتوقع دعم فرنسا وليس فرض "قيود" عليها
فقد الأدب الإنكليزي، السبت، أحد إبرز رموزه، وهو الروائي والكاتب، ف.س. نايبول، الذي منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "سير" في 1990، تكريمًا لدوره الإبداعي الفذ، الذي قاده لاحقًا إلى نيل أرفع جائزة في الأدب سنة 2001، وهي جائزة نوبل.
ف.س.نايبول، وهو اختصار لاسمه فيديادر سوراغبراساد نايبول، ولد العام 1932 في جزر الهند الغربية البريطانية، بمنطقة شاجوناس في جزيرة ترينيداد لأسرة من أصول هندية، وكان من أوائل الفائزين بجائزة البوكر البريطانية عام 1971عن كتابه "في بلاد حرة".
كان جده يعمل مزارعًا في قصب السكر، أما والده فعمل في الصحافة والكتابة، وهاجر إلى بريطانيا قبل أن يكمل العشرين، والتحق بجامعة أوكسفورد حيث حصل على درجة البكالوريوس في الفنون عام 1954.
تتنوع أعماله، التي بلغت أكثر من 30 عملًا، بين الرواية والقصة، ومن أهم هذه الأعمال:"المدلك الغامض"،"منزل السيد بيسواس"،"السيد ستون واتحاد الفرسان"،"في بلاد حرة"،"الهند حضارة مجروحة"،"منحنى النهر"،"نصف حياة"... وسواها، كما نشر عددًا من الكتب التي يمكن إدراجها في أدب الرحلات أو النقد الأدبي، ومنها: "بين المؤمنين: رحلة إسلامية"،"ما وراء الإيمان"،"القراءة والكتابة: وجهة نظر شخصية".
أمضى نايبول جزءًا كبيرًا من حياته في السفر والترحال، وأصبح رمزًا للتجرد من الجذور في المجتمع المعاصر، كما سلط الضوء على التواريخ والمحطات المنسية.
وترجم العديد من أعماله إلى اللغة العربية، لاسيما بعد حصوله على "نوبل"، ومن بين الأعمال التي نقلت إلى العربية روايته "نصف حياة" التي تعد بمثابة سيرة ذاتية، وتحاول رسم صورة لشخصية نهلت من ثقافات عدة، وتنتمي لأسرة جعلته يعيش مشاعر متضاربة، تنزع نحو "قتل الأب"، و"حتى الحب الذي شعر به تجاه والدته كان مملوءًا بالألم".
في هذه الرواية، يجد القارئ نفسه حيال بطل يحاول التخلص من إرثه الثقيل، ويبحث عن صوته الخاص وسط صخب الأمكنة التي عاش فيها، والتي منحته "نصف حياة" في كل محطة.
بطل العمل هو ويلي تشاندران صاحب الطموح والأحلام، لكنه لا يستطيع أن يصوغ أمنية بعينها "فالحياة تنصب له شراكها القاسية"، ولا تترك له فسحة واعية، لأن يسأل نفسه عمّا حققه؟ وإلامَ يهدف؟ فالأقدار تقود خطوته، وهو مستسلم دون تذمر للإصغاء الى ما تمليه عليه نوائب الدهر ومباهج اللحظات العابرة.
ومن كتبه التي ترجمت إلى العربية كذلك رواية "شارع ميجل" التي يعود تاريخ كتابتها إلى بدايات تجربتة الإبداعية، إذ صدرت نهاية خمسينيات القرن العشرين، وهي تنطوي على إشارات تنبئ بولادة كاتب مهم، ولعل ما حدث بعد نحو نصف قرن، أثبت تلك النبوءات، إذ نال نايبول أرفع الجوائز، وبات واحدًا من أشهر رموز الأدب المكتوب بالإنكليزية.
في رواية "شارع ميجل"، يختار نايبول هذا الشارع مسرحًا لمجريات هذا العمل الروائي القريب، وكذلك، إلى المذكرات الشخصية للكاتب نفسه، يقع هذا الشارع في مدينة بورت أوف سبين، عاصمة جزيرة ترينيداد، وهي المدينة التي أمضى فيها الكاتب طفولته وجزءًا من صباه، وحاول أن ينقل تلك المشاهدات التي انطبعت في ذاكرته، إلى كتاب سيكون البطل الرئيس فيه المكان، بكل ما يزخر من غرائب وشخصيات وأحداث، تبدو كأنها خيالية على رغم التصاقها بالواقع.
سنعثر في هذا الشارع على شخصيات غريبة الأطوار تعاني الخيبات، وتتطلع، دومًا، إلى حياة أفضل، لكنها تخفق، فالأحلام بعيدة المنال على أرض تلك الجزيرة النائية التي ترسم للكل قدره المحتوم.
وإذا كانت الشخصيات، جميعها، مهمومة بالتحايل على واقع يمضي عكس أمنياتها، فإن شخصًا وهو الصبي - الراوي، يسلك طريقًا آخر، إذ يتكفل بسرد هذا العمل بكثير من الذكاء، والفطنة، هذا الصبي - الراوي عاش في ذلك المكان وتشرب بثقافته، وراقب عن كثب تحولاته، وفتش في الدهاليز والأروقة عن الوقائع والطرائف التي تصلح أن تودع بين دفتي كتاب، هو لم يبدع شيئًا غير مألوف، فالرواية تتناول تفاصيل الحياة العادية، بأحزانها وأفراحها وخيباتها وآمالها... غير أن طريقة التعبير عن تلك الحياة هي التي تمنحها نكهة أخرى، وتحث القارئ على الانقياد وراء تفاصيلها وملامحها.
مشردون وعشاق وحالمون ومتسكعون... مهنيون وصحافيون وساسة... عمال وموظفون وسكارى... يتقاسمون فضاء السرد في رواية نايبول الذي يمنح لكل صوت مساحة عادلة للتعبير عن همومها.
ولدى الإصغاء إلى هذه الأصوات المتداخلة، الصاخبة والحية، تتشكل أمام أبصارنا لوحة بانورامية تمثل واقع جزيرة ترينيداد في منتصف القرن الفائت.
ولئن بدا من الصعب العثور على شيء غير مألوف في رواية تتناول رتابة الحياة وهمومها الصغيرة، إلا أن براعة نايبول تتبدى في قدرته على التقاط هذا المشهد العادي، ومعاينته من منظور ذاتي خاص، فالصبي - الراوي، الذي يقص علينا هذه الحكايات والقصص بحماسة من يقاسم الشخصيات طموحاتها وأحلامها ورغباتها، يفلح في التركيز على الجوهري، وإهمال الثانوي، ويكون في مقدوره -حينئذٍ- أن يقدم رؤية صادقة للتحولات التي تطرأ على طبيعة الشخصيات، وللمعاناة التي يكابدونها بحثًا عن أمنيات مؤجلة على الدوام.
في هذه الرواية، كما في معظم أعماله، يبتعد نايبول عن الثرثرة المجانية، محاولًا تكثيف العبارة إلى أقصى الحدود، فالحوارات مقتضبة والوصف قليل ومختزل، لكنه ينجح في منح السرد بعدًا دراميًا يقترب من السيناريو السينمائي، على المستوى البصري، ويضاهي النصوص الفلسفية العميقة على مستوى الأفكار والمضامين.
وكانت لجنة نوبل قد قالت في حيثيات منحه الجائزة، إن نايبول "يمزج في أعماله بين الفنون الأدبية المختلفة، بأسلوب أتاح للقراء أن يلمسوا تجسيدًا لتاريخ المقهورين"، مشيرة إلى أنه "فيلسوف حديث، يثير الإعجاب بأسلوبه اليقظ".