"حياة على حافة الصفر"... رحلة اجتماعية وسياسية تونسية
يغوص الكاتب والإعلامي التونسي المنجي السعيداني في عمق جملة من القضايا السياسية والاجتماعية من خلال نضالات الجامعة التونسية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في روايته "حياة على حافة الصفر"، وهي جزء من "ثلاثية الحياة" التي نشر الكاتب جزءَها الأول العام الماضي تحت عنوان "حياة عميقة".
والرواية الصادرة عن دار "نحن" للنشر، تسلّط الضوء على جانب مهم من تاريخ الحركة الطلابية في تونس، بعيدًا عن "التاريخ الجاف للأحداث"، وفق الكاتب، وقد اختار الروائي تناول العديد من الأحداث التي عاشها في صباه والتي امتدت من سنة 1979 إلى 1992 انطلاقًا مما عاشه بطل الرواية فارس الهلالي، بعد أن تناول في الجزء الأول من ثلاثيته، أحداثًا امتدت من سنة 1965 إلى 1978.
وبحسب ما جاء في مقدمة الكتاب فإنّ "حياة على حافة الصفر" رواية "تسير على عتبات الصفر دون أن تلامسه" ويضيف السعيداني أن الرواية "تحتوي على الكثير من المنعطفات" التي طبعت حياته والتي اختار أن يرويها على لسان بطله، وهي عمل أدبي يجمع بين السيرة الذاتية والكتابة الروائية.
واختار الكاتب أن يخصص لهذا الإصدار تقديمًا بقلم الأستاذ فرحات عثمان، جاء في شكل قراءة سيكولوجية لنظم الحياة لدى المنجي السعيداني، تناول فيها أسلوب الكتابة لدى هذا الروائي والخصائص الفنية لنصوصه السردية عمومًا ولهذا الأثر على وجه الخصوص، ودعا عثمان القراء إلى "التنبه إلى ما وراء الكلم من معان خفية".
رحلة فارس الهلالي
وفي هذه الرواية يتابع القارئ رحلة فارس الهلالي في الحياة، بدءًا من نجاحه في مناظرة الدخول إلى المعاهد الثانوية وانتقاله من الريف إلى المدينة مرورًا بكل ما حف هذه التجربة من انتقال السكن في بيت العائلة إلى السكن مع عائلة في بيت قد يكون لأقرباء وقد يكون لغرباء.
ويغوص الكاتب من خلال قصة بطله في أعماق نفسية فارس الهلالي ابن الريف الذي شكل قدومه الى المدينة وعيًا جديدًا بالمحيط بما فيه من أشياء وأشخاص، وفسر أسباب تحول ذلك الطفل من شخص مسالم إلى شخص ينحو إلى العنف "ففي المدينة إما أن تأكل غيرك، وإما أن تكون وليمة سهلة للغرباء" كما يقول الكاتب على لسان بطله.
وبتقدّم الأحداث يتحصل بطل الرواية على شهادة الباكالوريا وينتقل إلى الحياة الجامعية، حيث اتسمت الجامعة التونسية بحراك لافت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من خلال نضالات الاتحادات الطلّابية في علاقة بالوضع السياسي والاجتماعي آنذاك.
ولم يفوت الكاتب فرصة استرجاع ما عاشه البطل "فارس الهلالي" وغيره من الطلبة في تلك الفترة من حراك فكري ومظاهرات طلابية ونشاطات سياسية، أدت بالبعض منهم إلى الملاحقات الأمنية سواء أواخر حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أو زمن حكم خلفه زين العابدين بن علي، وما عاشه المجتمع التونسي آنذاك من تغيرات اجتماعية وسياسية.
وبدت الرواية مرآة عاكسة لتلك الأحداث والتطورات التي عاشها جيل بأكمله، ومن خلال شخصية فارس الهلالي يسلط الكاتب الضوء على بعض المشاكل والقضايا الاجتماعية ومنها معضلة البطالة التي واجهها خريجو الجامعات؛ ما يدفع بعضهم إلى البحث عن عمل خارج حدود الوطن.