موفق محادين
مخطىء من يعتقد أن داعش مجرد ظاهرة تكفيرية مسلحة مشبوهة سيجري استبدالها وتغييرها في غضون فترة قصيرة، فهي اخطر واعقد واكبر من ذلك، بل لعلها اهم (وصفة) طبية توصلت لها دوائر المخابرات الامريكية لداء استراتيجي مناهض للمصالح الرأسمالية، والصهيونية بدأت غيومه تلوح في الأفق مع نهاية سبيعينيات القرن الماضي..
ففي تلك الأعوام، تشكل اخطر محور إقليمي ودولي ضد هذه المصالح من روسيا والصين إلى افغانستان التي شهدت انقلابا عسكريا يساريا إلى الثورة الإيرانية، إلى الميثاق السوري – العراقي الذي وقعه البكر وحافظ الاسد، إلى المقاومة في لبنان.
ولو استمر هذا المحور لسيطر على خطوط النفط والغاز وما يعرف بالبحار الاستراتيجية الكبرى، مما استدعى حسب المفكر الامريكي ومستشار الامن القومي انذاك، بريجنسكي، ايجاد بافر ستيت او دولة عازلة تفجر هذا المحور وتضرب قلبه بين سوريا والعراق كما تعزل إيران وتسوقها كخطر بديل عن ( تل ابيب).
وقد انتهى المحور المعروف نهاية ماساوية تمثلت في الحرب العراقية – الإيرانية، وفي عودة التوتر إلى العلاقات السورية العراقية، وفي استنزاف سوريا عبر الحماعات الاصولية التكفيرية، ثم في العدوان الصهيوني المباشر على المقاومة في لبنان والقواعد السورية في البقاع، واطلاق اول مبادرة عربية للتسوية مع تل ابيب.
بيد أن موسكو بزعامة اندروبوف دخلت على الخط بسرعة ولعبت دورا كبيرا انذاك في ترميم الجيش السوري كما سقطت تداعيات العدوان على لبنان وتماسكت سوريا بعد استنزافها الداخلي ..
وتكررت معطيات متشابهة كلما اعتقد الامريكيون انهم قاب قوسين او ادنى من الاطباق على المنطقة، ومن ذلك خسائرهم في العراق بعد العدوان عليه، ونهوض حزب الله والمقاومة الفلسطينية، فكانت العودة الامريكية من جديد إلى فكرة المنطقة العازلة او البافر ستيت.
هكذا ولد المحاولات تلو المحاولات للسيطرة على المجالات الحيوية وعزلها عن بعضها البعض، من اسيا الوسطى إلى إيران والعراق وسوريا ولبنان.
وبعد اخفاق امارة القصير والقلمون ك منطقة عازلة بين سوريا وحزب الله لا يمكن النظر إلى تمكين داعش من السيطرة على حوض الماء والنفط والسلاح بين الموصل والجزيرة السورية بمعزل عن المحاولات الامريكية المذكورة.
ويبدو ان العقل الامريكي قد توصل إلى اهمية وضرورة بناء دولة عازلة تعمر طويلا وتمتلك ما يكفي من اسباب القوة الذاتية لذلك، بل وتقدح (شررا) طائفيا حيثما استدعت الحاجة لذلك من الشرق الأوسط إلى ارواسيا حيث يتشكل الهارت لاند او قب العالم الجديد انطلاثقا من موسكو وتحالفاتها في البريكس وعلى راسها الصين ولن يكون مستهجنا أن تصبح داعش عضوا في الأمم المتحدة.