حلمي النمنم
يبدو أن الإسلام السياسي يدخل مرحلة المحاق، وأن شمسه تأفل، بسرعة لم يتوقعها أحد، هذا ما نراه في مصر وفي تونس وفي ليبيا، ومن قبل ثبت فشل هذا التيار في الصومال وفي السودان، أتحدث عن النماذج في عالمنا العربي وليس على مستوى العالم الإسلامي كله وإن كانت الصورة خارج العالم العربي أكثر قتامة في معظم الحالات.
الفشل في حالة بلاد "الربيع العربي" مختلف، لأنه مفروض ومرصود من الجماهير يوما بيوم، وخطوة بعد خطوة، والمفترض في السياسة وفي الإدارة أن يتعلم المسئول من أخطائه وأن يتحسن أداؤه شهرا بعد شهر، لكن في حالة أصحاب الإسلام السياسي وعلى رأسهم "الإخوان المسلمين" فإنهم لا يتعلمون أبدا ولا يبنون خبرات حقيقية، بل يزداد فشلهم وتتسع أخطاؤهم ويتمادون في غيهم.
وأنا واحد من الذين لم يتوقعوا يوما نجاح هؤلاء، لكن لم أتوقع أن يكون الفشل على هذا النحو وبهده السرعة الخارقة، فقد ثبت أنهم وهم كبير، والحق أن المسئولية كلها تقع عليهم وحدهم، لأكثر من سبب.
في العادة يتقدم أي تيار سياسي للحكم بنظرية أو تصور سياسي واجتماعي متكامل والذي يترجم إلى برنامج واضح، يمكن للمواطنين أن يتحاوروا حوله، اختلافا أو اتفاقا، لكن هؤلاء لم يقدموا برنامجا، بل عاشوا على جملة واحدة هي "الإسلام هو الحل" أو "الحاكمية".
وقد أوصاهم معلمهم سيد قطب في مقال له سنة 1950 بعدم الالتفات إلى وضع برنامج، بل ذهب إلى أن من يسألهم عن البرنامج إنما يريد أن يصرفهم عن الهدف الأولي وهو حكم الإسلام، وكان رأيه أن يحكم الإسلام أولا ثم نتحدث عن البرنامج، والمعنى أن يصلوا هم إلى الحكم ثم يبدأ النقاش في البرنامج.
وفي مصر رأينا الإخوان يعلنون أثناء الانتخابات الرئاسية عن "مشروع النهضة" وأكثروا من الحديث عنه حتى أنهم ملئوا الشوارع بلافتات من عينة "النهضة إرادة شعب"، وبعد نجاح مرسي فاجأنا خيرت الشاطر نائب المرشد العام بأنه لا يوجد شيء اسمه "مشروع النهضة".
وقد تصل جماعة إلى الحكم بدون برنامج متكامل، كما فعل الضباط الأحرار سنة 1952 ، ولكن يكون لديهم تصورات ومبادئ عامة حول الوطن والشعب، لكن أصحاب الإسلام السياسي لم يكن لديهم سوى غاية وحيدة هي الوصول إلى السلطة بكل مباهجها وأبهتها وفسادها إن أمكن.
في مصر وجدنا سيناء مهددة من جماعات إرهابية، هي رديف للإسلام السياسي الذي يحكم، لذا يتم التسامح وعدم الدخول في معركة جدية معها. وفي ليبيا توشك البلاد أن ينفرط عقدها، لتصبح برقة إقليما وحدها وكذلك بني غازي ثم طرابلس وهكذا، رغم أن ليبيا الموحدة كانت قائمة من أيام الملك الراحل إدريس السنوسي.. أما في تونس فقد جرى اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد ومحاولة إحراق أحد المسارح والتعرض للفتيات والسيدات بما يهدد حرياتهن وحقوقهن.
دعاة الإسلام السياسي، يتعثرون في فشلهم، عرضوا على التجربة وأمام الرأي العام كله وثبت عجزهم وانعدام كفاءتهم، أخذوا الفرصة كاملة، غير منقوصة، في مصر الرئاسة في يدهم والحكومة كذلك ومجلس التشريع. القضية الآن، ليس هذا الفشل الذي ثبت وتأكد، لكن هي وماذا بعد..؟
ينبغي أن تكون هناك تصورات ومشاريع واضحة ومحددة، لأن استمرار الفشل وتواصله يجعل الفاشلين لا يدركون حجم فشلهم.