بقلم تاج الدين عبد الحق
بتنحيه عن السلطة طوعاً، يكون الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد حفر اسمه في تاريخ الخليج، وفي التاريخ العربي، كأول زعيم خليجي في العصر الحديث، يتخلى عن سلطته طوعاً، غير مكره كحال من تسلم منه السلطة قبل ثمانية عشرعاماً.
على أن هذا القرار ليس القرار الوحيد، الذي يحمل طابع الإثارة في السجل السياسي لأمير قطر المستقيل، فسجله منذ إعتلائه السلطة في يونيو من عام 1995 حافل بالقرارات، التي كثيراً ما أزعجت، وأرقت شركائه في الخليج، وأثارت حفيظة وغيرة أشقائه العرب.
أطلقوا عليه لقب قذافي الخليج استهجاناً لمواقف غير متوقعة، ومبادرات غير مألوفة. حرك عبر الإعلام الذي أنفق عليه بسخاء المياة الراكدة في العالم العربي، وأعطى من خلال ذلك لقطر إمتدادا جغرافياً وعمقاً، أهلها للعب مع الكبار.
الإرث الذي تركه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مليء بالمتناقضات، يرهق كل من يحاول توصيف وتقييم فترة حكمه. في المفاصل الأساسية التي مرت على المنطقة أثناء حكمة كان يأخذ القرار ونقيضه في آن. رأينا ذلك عند غزو العراق فقد ظلت خيوطه السياسية مع صدام حسين قائمة، لكن ذلك لم يمنع انطلاق الطائرات الامريكية من قاعدة السيلية التي تعد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة. كان أول من ينسج علاقات باسرائيل، لكن ذلك لم يمنعه من إستضافة حركة حماس ودعمها بسخاء. وقف مع حزب الله في عام 2006، للدرجة التي دفعته لزيارة الضاحية الجنوبية لبيروت معقل الحزب وقاعدته الجماهيرية، لكنه سرعان ما انتقل إلى النقيض عندما اندلعت الثورة في سوريا.
كان له في كل عرس قرص كما يقولون، دخل على خط الخلافات اللبنانية واستضاف مؤتمراً للمصالحة، انتهى برفع صوره إلى جانب صور القادة اللبنانين في كافة المناطق، لكن الحال تبدل ليجد نفسه طرفاً في اللعبة السياسية اللبنانية، متهما حيناً ومنقذاً حيناً آخر. فعل ذلك مع الخلافات السودانية، ومع حركة طالبان الأفغانية، فجمع الغريمين في دبلوماسية مرهقة، لايرى فيها أهل الخليج، إلا استعراضاً أمامهم ، أو إحراجاً لهم.
وقف مع ثورات الربيع العربي مواقف متناقضة، فخرج عن السرب الخليجي حيناً، ونافس في قيادته حينا آخر، تكررت الهبة الساخنة والهبة الباردة في علاقاته مع سوريا وإيران وشركائه في مجلس التعاون، ليصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
والسؤال الآن وقد سلم الشيخ حمد بن خليفة، الراية لنجله الشيخ تميم هو: هل يتمكن الأمير الجديد من لم شعث هذه السياسات المتناقضة، أم أنه سيكون جزءً من هذا الإرث، وهل سيواصل السير على نفس النهج أم يختار طريقه الخاص.
التاريخ علمنا أن لكل زمان دولة ورجال. وأن التغيير الذي قاده الشيخ حمد عندما تولى السلطة قبل ثمانية عشر عاماً، يظل سنة الحياة، وهي حياة ستكون مختلفة في عهد أمير قطر الجديد، التي سيكون فيها صاحب القرار، وربان السفينة.