قالها قديما نزار قباني على لسان العندليب عبد الحليم حافظ:
"الموج الأزرق في عينيك
يناديني نحو الأعمق
وأنا ما عندي تجربة
في الحب ولا عندي زورق
إني أتنفس تحت الماء
إني اغرق اغرق اغرق ..."
الآن لم تعد كلمة زورق ترتبط عندي بكل هذه الرومانسية، ولم يعد الغرق حالة ذوبان عاطفي، فقد ذهبت الدلالات والايحاءات وعادت المعاني الحرفية المباشرة بكل شجنها ودموعها، فحلم الثراء غرق في بحر متلاطم من الأمواج، وتحطمت الرغبة في تكوين ثروة سريعة على صخرة خفر السواحل، بل واصطدم أمل الهروب من الفقر بانكسار عميق في القلب …
نعم، اقصد الشباب الذين يقتطعون من لحم الحي سعيا وراء السفر إلى أوروبا، اولئك الذين يستسلمون لعصابات محترفة تبيع لهم وهم الانتقال إلى الجنة الموعودة فيستدينون آخر جنيهات معدودات هربا من واقع مظلم ومستقبل يرونه أشد ظلاما.
الشاب من هؤلاء قد يجبر أمه الفقيرة على بيع ما تبقي من حليها الشحيح، أو ان يبيع أبوه "الكام قيراط اللي حيلته" من الارض الزراعية لمجرد ان يوفر ثمن التسعيرة التي تطلبها مافيا الهجرة غير الشرعية على “الرأس الواحدة”، والنتيجة رصاصة في الصدر من خفر السواحل الأوروبية، او الاحتجاز في زنزانة ضيقة تمهيدا لإعادته لبلده خاوي الوفاض والأحلام ...
فالغرق في زورق بالقرب من شواطئ الحلم الأوروبي هو المصير الذي بات ينتظر الكثير من الشباب العربي الذي يرى في الهجرة حلا للهروب من الواقع. و على سبيل المثال، غرقت عدة سفن تحمل مهاجرين سوريين منذ 2012 وحتى 2014 كان حصيلتها مئات الضحايا من الشباب والنساء.