مخيم اليرموك قربانا ليهوه
مخيم اليرموك قربانا ليهوه مخيم اليرموك قربانا ليهوه
مدونات

مخيم اليرموك قربانا ليهوه

يوسف ضمرة

منذ بداية الأزمة السورية، تم الزج بمخيم اليرموك كورقة ضغط على الدولة السورية. هذا في الظاهر. أما في الجوهر، فموضوع اليرموك ـ كأكبر مخيم فلسطيني في الشتات ـ يدخل ضمن سياق مختلف عن ما يحدث على السطح.

ربما يصح القول الآن، إن ما حذرنا منه في البدايات، بل ومنذ اليوم الأول، أخذ في الظهور تدريجيا. فقد قلنا إن ما سمي بالربيع العربي، ليس سوى إعادة تشكيل للمنطقة، تتضمن قبول الدولة اليهودية تماما، وتنهي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتضع حدا لحق العودة. ومثل هذا الكلام، لا يتم إلا بتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصا لاجئي سوريا ولبنان.

كانت المشكلة تكمن في لاجئي سوريا، اللذين انخرطوا في المجتمع السوري إلى حد كبير، وصار من الصعب اقتلاعهم من سوريا إلا إلى فلسطين. ولأن سوريا كانت دائما حاضنة للمقاومة الفلسطينية بتلاوينها المختلفة، على رغم الجفاء بين حين وآخر بينها وبين فصائل محددة، فإن مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان تعد الخزان البشري الهائل الذي يغذي المقاومة، ويرسخ الثوابت الفلسطينية، ويؤكدها. وعليه، كان لا بد من إحداث شرخ على مستوى شعبي بين فلسطينيي سوريا والسوريين أنفسهم، وهو ما عملت عليه المعارضة السورية منذ اليوم الأول حين احتلت مخيم اليرموك، وساعدتها فصائل فلسطينية، سواء كان ذلك بقرار مركزي أم بمبادرات محلية مسكوت عنها.

نعرف جيدا أن الفلسطينيين يدفعون ثمنا باهظا الآن، وهو ما سيجعل من نقلهم إلى مكان آخر خلاصا لهم. والمكان الآخر بالطبع هو خارج سوريا، وتحديدا في الأردن، حيث يخطط العدو الصهيوني منذ إنشائه وقبل ذلك، إلى توطين الفلسطينيين، ومنحهم دولة فلسطينية خارج فلسطين؛ أي إننا نتحدث عن المشروع القديم إياه: الوطن البديل.

فلأول مرة تقوم جبهة النصرة "قاعدة سوريا" بمهادنة داعش، وهو الأمر الذي حدث في مخيم اليرموك. وهو يؤكد أن مرجعية الجماعات الإرهابية كلها في سوريا واحدة، بغض الطرف عن اسم هذه الجماعة أو تلك، وبغض الطرف عن بعض الصراعات البينية على النفوذ والغنيمة، التي يؤججها بعض قادة الإرهاب أنفسهم، من دون أن ننسى بعض الخلافات التكتيكية أحيانا، التي تعود إلى تباين الرؤى في غرفة العمليات الواحدة التي تدير الإرهاب. وهي خلافات لا تمس الجوهر بالطبع، مقدار تعلقها ببعض المكتسبات لهذا الطرف أو ذاك.

يتم تقديم الفلسطينيين الآن قربانا "ليهوه" ـ إله اليهود ـ  كي يقبل بالآخرين ـ وهم هنا العرب ـ ويشارك بعض الفلسطينيين في تقديم هذا القربان، أملا في إرضاء محافل دولية، للحصول على فتات الزعامات والنفوذ في فلسطين. أي إن الفلسطيني يدفع فاتورتين معا؛ فاتورة اغتصاب فلسطين كلها، وتشريد شعبها، وفاتورة إرضاء مغتصبي فلسطين، اللذين يمسكون بمفاتيح أنظمة وعروش عربية وغير عربية، بمساعدة الوحش الإمبريالي الهائج المدعو أمريكا.

وفي خضم هذه المقتلة تبدو السلطة الفلسطينية راضية بما هي عليه وفيه. فثمة سجادة حمراء ولقاءات وقمم يشارك فيها زعماء هذه السلطة، وتتم معاملتهم كرؤساء دول، بينما هم في الحقيقة لا يملكون صلاحيات السماح لشخص ما بزيارة فلسطين من دون موافقة العدو القابع فوق صدر السلطة، القانعة بما ينتجه الوضع القائم من امتيازات شخصية، وليذهب الفلسطينيون بعد ذلك إلى الجحيم؛ لا فرق!

فلم تسع السلطة جديا إلى ما يمكن اعتباره محاولة لإنقاذ الفلسطينيين، لا من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، ولا من خلال التواصل مع بعض العرب أو القوى الدولية الأخرى. وكأننا ننتظر نهاية المجزرة، كي نعلن الحداد، والقبول ضمنيا بالأمر القائم، أو المتاح.

التالي