سياسة واشنطن تجاه اليمن مراجعة أم تراجع؟
سياسة واشنطن تجاه اليمن مراجعة أم تراجع؟ سياسة واشنطن تجاه اليمن مراجعة أم تراجع؟
اتجاهات

سياسة واشنطن تجاه اليمن مراجعة أم تراجع؟

تاج الدين عبد الحق

تهديد واشنطن بمراجعة دعمها للتحالف العربي المساند للشرعية في اليمن، لم يكن مفاجئا لكل من يراقب تذبذب، وتردد  السياسية الأمريكية، وانحسار دورها في المنطقة، فالواضح أن الولايات المتحدة كانت تبيت النية لمثل هذا الموقف، وكانت  تنتظر الذريعة التي توفر الغطاء لتغيير موقفها في اليمن، كما غيرته من قبل إزاء الملف النووي الإيراني، وإزاء الملف السوري.

في الملفات الثلاثة خذلت الولايات المتحدة حلفاءها في كل مرة، وتصرفت دون اعتبار لمصالح شركائها في المنطقة، خاصة بعد أن بات هؤلاء في مرمى تهديد سافر ومباشر، يطال كافة مفاصل الحياة في الإقليم.

اتهام التحالف العربي بالتسبب "بمقتل عشرات من المدنيين في صنعاء"، بغض النظر عن صحته وحقيقته، يكشف ازدواجية المواقف، واختلال المعايير في السياسة الامريكية، فسجلّ واشنطن، القريب والبعيد، حافل بانتهاكات صارخة لكل الأعراف والمواثيق الدولية، والتي كانت تصنف في الحروب التي كانت تخوضها الإدارة الأمريكية، على "أنها نيران صديقة أو أخطاء غير مقصودة أو أنها تصرفات لا تعبر عن الروح الأمريكية".

ولعلنا نذكر، هنا، ما ارتكبتة القوات الأمريكية من تجاوزات في حرب فيتنام وغيرها من الدول المجاورة لها إبان تلك الحرب، حيث كانت تحرق قرى كاملة ببشرها وشجرها لإنقاذ جندي من جنودها، أو إخلاء جريح من جرحاها.

كما أن الذاكرة لا تزال طرية في استرجاع ما ارتكبته وترتكبه تلك القوات في أفغانستان، هذا فضلا عما ارتكبته من انتهاكات لحقوق من اعتقلوا في معتقل غوانتانامو، وما ارتكبته القوات الأمريكية الغازية في العراق سواء في العمليات العسكرية التي بدأتها دون غطاء شرعي ودون مبرر قانوني، كما تأكد ذلك لاحقا، أو في السجون الذي ملأتها بمئات الآلاف من العراقيين لمجرد الاشتباه، قبل أن تعرضهم لأشكال غير مسبوقة من التعذيب والامتهان، أدت في النهاية إلى ولادة جيل كامل؛ مشبع بروح الانتقام، والرغبة في الاقتصاص من جلاديه من الغزاة ووكلائهم من العملاء الإقليميين،          والمحليين.

وكانت ثالثة الأثافي، الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، وهو الاتفاق الذي أطلق يد إيران في المنطقة، بحيث زادت من تواجدها العسكري في العراق، ومددت هذا التواجد إلى سوريا، قبل أن تحاول التسلل إلى البحرين واليمن، كجزء من بركات الاتفاق النووي مع واشنطن وبفعل النتائج السياسية والاقتصادية التي حققتها طهران من ذلك الاتفاق، وخاصة لجهة إيجاد  موطئ قدم لها في الدولتين اللتين تشكلان، جغرافيًا وديمغرافيًا، جزءا لا يتجزأ من الأمن الوطني لدول الخليج والجزيرة العربية.

لا نسوق هذه الشواهد، لتبرير بعض الأخطاء العسكرية، التي يكون المدنيون حطبًا لها، أو ضحايا من ضحاياها، لكن أن تستخدم هذه الأخطاء كسلاح سياسي، لتصفية حسابات، أو لتغيير الأجندات وتبديل المواقف، هو ما يلفت الانتباه ويثير الريبة والشك .

إن ما يرتكب من فظائع في سوريا لم يحمل واشنطن على إجراء مراجعة للمواقف الأمريكية، بل بالعكس، فإن تلك المواقف تحركت بالاتجاة المعاكس، فبعد أن كانت الإدارة الامريكية تتحدث عن أيام معدودات للنظام السوري، وبعد أن كانت المعارضة السورية تتنظر الدعم والمساندة التي تمكنها من مواجهة النظام وداعميه، تراجعت واشنطن عن مواقف تستبعد الرئيس بشار الأسد من المفاوضات مع المعارضة، إلى موقف، يتشعب الحديث فيه، عن معارضة معتدلة، وأخرى متشددة، بشكل أدى إلى ضعف فصائل المعارضة وإدخالها في دوامة من التصنيفات، أدت في نهاية المطاف إلى تحسين قدرات النظام وداعمية من الحلفاء الاقليمين والدوليين، ميدانيًا وسياسيًا، بشكل مهد لإعادة تأهيل رأس النظام السوري والقبول به لا كشريك في المفاوضات فقط، بل كإطار تجري في ظله تلك المفاوضات.

وإذا وضعنا هذه السياسة الأمريكية المتراجعة حينًا، والمتذبذبة دائمًا، في إطار اضطراب العلاقات السياسية بين واشنطن والرياض، وخاصة بعد رفع قانون جاستا في وجه المصالح السعودية في الولايات المتحدة، فإننا لا شك سنصل في النهاية، إلى أن التهديد الأخير بمراجعة موقف واشنطن من عمليات التحالف العربي في اليمن هو جزء من حزمة مواقف، أقل ما  يقال فيها، إنها تزعزع الثقة بالسياسة الأمريكية، هذا إذا إن لم تؤد إلى تغير عميق في خريطة علاقات دول المنطقة بالإدارة الأمريكية وتعديل تحالفات هذه الدول الإقليمية والدولية مع ما قد يجره ذلك على أمن المنطقة والعالم من ارتدادات.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

التالي