الشرعية..وضع العربة أمام الحصان
الشرعية..وضع العربة أمام الحصان الشرعية..وضع العربة أمام الحصان
اتجاهات

الشرعية..وضع العربة أمام الحصان

قاسم عبدالرب العفيف

يعرف القاصي والداني، بأن مرحلة ما بعد الـ26 من مارس 2015 ،ستكون حتمًا مختلفة عما قبلها، ومن يريد إعادة إنتاج مكونات المرحلة السابقة ،سيفضي به الحال إلى الفشل الذريع، بل إلى تدوير الفساد ومراكمة الأزمات ،حتى تتفجر من جديد بشكل أشد قوة وفظاعة.

ونلاحظ بأن الشرعية ،تريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وتستخدم في إدارتها للأزمة الوسائل القديمة ،التي كانت سببًا في إنتاج الوضع الحالي، والتي عفا عليها الزمن، وهي الآن تدير المحافظات الجنوبية بعقلية نظام صنعاء الفاسد، تلك المحافظات التي تحررت من قبل أبنائها ،الذين سالت دماؤهم أنهارًا ،وما تزال تروي الأرض ولم تجف بعد، وكأن شيئًا لم يحدث.

لم تستطع الشرعية أن تستوعب المتغيرات التي جرت في الجنوب، والتي أتت على إثر الثورة السلمية على نظام "عفاش" ،وتحالف القوى القبلية الأخرى، ولم تستطع أن تستوعب أن الذي قاوم الغزو "الحوفاشي" ،وانتصر في الضالع وعدن ولحج وأبين ؛حقق ذلك بتضحيات شعب الجنوب ،ومقاومته البطلة.

ولم يكن أي أثر لما يسمى بالجيش الوطني ،عدا عددًا من القادة والضباط والأفراد ،معظمهم من قوام الكادر الذي إما تمت إحالتهم للتقاعد قسريًا أو متواجدين في منازلهم، وحتى عند تعيين أول قائد عسكري للمنطقة الرابعة ،لم تقم الشرعية بدعمه ،ولا بأي شيء يذكر، وقد قاوم كجندي شجاع في مقدمة الصفوف ،واستشهد فداء للوطن الجنوبي، رحم الله القائد الشجاع اللواء علي ناصر هادي.

الذي كان معروفًا بأن القيادة العسكرية التابعة للشرعية لم تولِ بالًا لمقاومة الجنوب، وكأنها توافق على أن يقوم الانقلابيون باحتلاله، ولكن صمود مقاومة الجنوب ،وتحقيق الانتصارات لفتت انتباه قيادة التحالف، وقامت بتقديم الدعم اللازم ،بما في ذلك الإنزال البري لمساندة المقاومة الجنوبية، لأنه لو تم للانقلابيين الاستيلاء على عدن ؛لكان من الصعب استعادتها، وسيكون داعمو الانقلابيين الإقليميين وغيرهم قد حققوا حلمهم في الوصول إلى بحر العرب وامتداده مضيق باب المندب، وكان التحالف العربي قد اتخذ القرار الصائب في التدخل حماية للأمن القومي العربي.

نلاحظ أن الشرعية تستبق نهاية المعركة ،وتريد أن تنفذ أجندات سياسية عفا عليها الزمن ،وتتصرف وكأنها هي التي حققت النصر ، وتحاول أن تعيد إنتاج سياسة ما قبل الـ26 من مارس 2015 ،وإعادة إنتاج قيادات تابعة لأحزابها، وتدورهم في المناصب ،ويتم التقاسم بين "المؤتمر" و"الإصلاح" لقيادات غمرها الفساد، والتبعية لمراكز صنعاء، وعاشت في كنف المدرسة "العفاشية" المعروفة، وتقوم بمحاربة الكادر الجنوبي ،الذي أفرزته المقاومة الجنوبية، وتضع أمامه العراقيل الكثيرة لإفشاله، وهذا ما جرى لعدد من المحافظين الجنوبيين، والقيادات الأخرى مدنية كانت أو عسكرية.

كل العراقيل التي وضعت في شأن الخدمات ،والرواتب ،وإعادة الجيش الجنوبي ،وضم المقاومين للمؤسسات الأمنية والعسكرية، وشراء الذمم الرخيصة من الجنوبيين، كل هذه وغيرها، توحي بأن الشّرعية لم تستوعب أن ذلك يشكل فشلًا لها وللتحالف العربي لأن كثر الضغط على الجنوب سيؤدي إلى انفجار عظيم، لا أحد يستطيع السيطرة عليه ،وسيدخل المنطقة في دوامة عدم الاستقرار ما يسمح لقوى إقليمية ودولية في تغذيته ،وسيسبب تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي لأهمية الجنوب الاستراتيجية.

نلاحظ أن الشرعية لا تستطيع أن تتدخل في مأرب، وهناك تسير الأمور وفقًا لما يرتضيه أبناء مأرب ،وحتى لا تستطيع أن تلزمهم بتوريد الدخل من الغاز والنفط وغيره إلى البنك المركزي بعدن ،وليس هذا فحسب بل لم تستطع أن تغير حاكم منفذ الوديعة ،الذي يجمع أموال الجمارك، ولا أحد يعرف إلى أين تذهب؟ وكيف تُصرف؟ وكان المفروض أن تعيد هذا المنفذ لمحافظة حضرموت ،التي يتبعها إداريًا، إضافة الى بناء جيش في مأرب قوامه أكثر من مائة وخمسين ألفًا، لم تستطع أن تلزمه حتى بتحرير محافظة مارب كاملة، وهذه فقط مقارنات بسيطة لمن يريد أن يفهم كيف تدير أمورها بمعايير مزدوجة.

نلاحظ أن رئيس الحكومة، وهو يتجول بحرية في المناطق المحررة ،يصدر تصريحات استفزازية للجنوبيين هنا وهناك ،غير متوازنة، متجاوزًا للوضع المعقد وتشابكاته المختلفة، وهو يريد أن يستبق كل الحلول ،قبل إعادة الشّرعية إلى صنعاء ،ودحر الانقلابين ،وكل تصريحاته يستفز فيها الجنوبيين غير مبالٍ بالعواقب الوخيمه لذلك ،وبدلًا من وضع الحلول الناجعة، وهي تحت مسؤليته المباشرة فيما يتعلق بحل قضية الكهرباء والمياه بشكل جذري ،وأيضًا توفير الرواتب، ووضع ميزانيات تشغيلية للمحافظات وتفعيل خطط الإعمار ،وغير ذلك من المهام العاجلة من دعم الحزام الأمني ،وتشجيعه في ضرب أوكار الاٍرهاب ،ولا نرى حتى تصريحًا واحدًا يشيد بالنجاحات الأخيرة التي حققها الحزام الأمني، وكأن الامر لا يعنيه ،وهذا ما دفعنا للتأكيد على الازدواجية في المعايير لدى الشّرعية، والتي أصبحت غير مفهومة.

من أخطر ما صرح به رئيس الوزراء ،أنه سيتم جلب الجيش إلى عدن والمناطق المحررة، ونسأل أي جيش يقصد رئيس الوزراء؟ هل يقصد الجيش الذي غزا الجنوب موخرًا؟! لأننا نعرف أن كل جيش الجمهوريّه اليمنية ،والحرس الجمهوري ،والأمن المركزي ،والقوات الخاصة لمكافحة الاٍرهاب ،وحتى مليشيا الحوثي ،كلها اصطفت في صف الانقلابين ضد الشًرعية . هل يقصد هذا الجيش، أم غيره؟

أما الجيش الوطني التابع للشّرعية ،فلا زال لم ينتصر بعد في معركته الأخيرة في الوصول إلى صنعاء، ودحر الانقلابيين ،وحتى يحقق ذلك فلكل حادث حديث. ومثل هذه التصرفات التي لا تراعي خصوصيات الواقع ،تتحول إلى كارثة حقيقية؛ لأن الجنوبيين لديهم حساسية من هذا الجيش؛ لأنه غزاهم مرتين ،ومن أجل تحرير الجنوب تم دفع الثمن غاليًا ومن ثم من يدري، هل في أوساطهم دواعش أو عناصر منتمين للقاعدة وأخواتها من أنصار الشريعة وغيرهم؟

وإذا كان رئيس الوزراء لا يعلم فقد كان بعض من ذلك الجيش في إطار المنطقه العسكرية الرابعة، وكان واجبه أن يوجه مدافعه نحو الغزاة ،لكنه عمل العكس من ذلك ،فقد استقبل جحافل الغزاة، وانضم إليهم واتجه جنوبًا؛ لذلك من الأفضل أن يستوعب مخاوف الحنوبيين ،ويأخذ حساسيتهم من ذلك بجدية.

والشيء الآخر ،الذي يستفز به الجنوبيين، هو تنفيذ الأقاليم في الجنًوب ، والسؤال هنا... كيف سيتم ذلك كون العملية السياسية متوقفة ؛بسبب الحرب على الانقلابيين ،والحرب لم ترسُ على بر بعد ،وأعتقد أن أي تغيير في المناطق المحررة إلى شيء دون اتفاق مع الأطراف المعنية، هو نوع من المغامرة السياسية، يستنزف جهد الشرعية عن مواصلة تحرير المناطق ،التي لا زالت تحت سيطرة الانقلابيين، وفي نفس الوقت يخلق بلبلة بين أوساط الحنوبيين ،وهذا كمحصلة أخيره لا يخدم سوى الانقلابيين.

إكثار التصريحات المنفلتة من قبل رئيس الوزراء ،وآخرها التحذير من الاستيلاء على السلطة في عدن بالقوة، تصب في إطار التحريض المباشر ضد الجنوب والجنوبيين ،ويقوي جبهة الانقلابيين ويضعف الشّرعية ،وبالتالي يربك التحالف العربي لأنه لا نية للجنوبيين في الاستيلاء على السلطة بالقوة ،ولكنهم يعبرون عن تطلعاتهم بالطرق السلمية، وما الاحتفال الأخير بعيد ثورة في الـ14 من أكتوبر ،إلا خير دليل على التفاف الجنوبيين حول المجلس الانتقالي الجنوبي ،الذي يرونه ممثلهم في أي مفاوضات أو استحقاقات قادمة ،ويرون فيه مستقبلهم السياسي كتتويج لنضالاتهم ،وتضحياتهم الكبيرة، كان يفترض أن تقابله الشّرعية بالاحترام كونه انبثق من تفويض الجنوبييين قاطبة.

هذه بعض نماذج التصرفات التي لا تخدم تماسك الجبهة الداخلية، وتزرع الشكوك والريبة ،ولا توفر الأمن والاستقرار في المنطقة، وكان المفترض أن تتوجه الحكومة للعمل بتعويض هذه المحافظات من خلال تصويب أوضاع الخدمات المتردية فيها ،وتوفير المستلزمات لتشغيل المستشفيات والمدارس ،وإعادة إعمار البنية التحتية، وتشغيل آلاف العاطلين عن العمل ،وتوفير المرتبات في وقتها ،وإعادة بناء المنظومة الأمنية، من خلال رفدها بالمستلزمات الضرورية، وأجهزة الدولة في المحافظات ،والعمل على مكافحة الاٍرهاب، ودعم ألوية الحزام الأمني ،التي تقوم بتنفيذ هذه المهمة بنجاح ،وأيضًا إعادة إعمار ما دمرته الحرب.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

التالي