كيف يعيش المسلمون في مدينة سفّاح أورلاندو بعد الحادثة؟
كيف يعيش المسلمون في مدينة سفّاح أورلاندو بعد الحادثة؟ كيف يعيش المسلمون في مدينة سفّاح أورلاندو بعد الحادثة؟
أخبار

كيف يعيش المسلمون في مدينة سفّاح أورلاندو بعد الحادثة؟

Mohamed Al Dhaiat

وضع اعتداء أورلاندو الذي خلف 49 قتيلاً، الأحد الماضي، المسلمين في مدينة فورت بيرس، تحت الأضواء، وعرضة لشتى أنواع الخوف والتهديد، حيث كان عمر متين منفذ الاعتداء يقيم هناك.

ومن سيارة "بيك آب" تعبر أمام المركز الإسلامي في فورت بيرس، البناية التي كانت كنيسة ولا تزال على شكل كنيسة، يصرخ أحدهم "اذهبوا إلى الجحيم أيها القاذورات"، ومع توالي وصول المسلمين إلى المركز، تتوالى الشتائم التي ترافقها أصوات أبواق السيارات بشكل منتظم، وفقًا لما رصدته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

وتضيف الصحيفة في تقرير لها أن هناك مسجدا آخر في المنطقة في بناية غير ظاهرة للعيان، لا يتعرض إلى ما يتعرض له المركز الإسلامي، ولمن لم يكن يعرف مكان المركز الإسلامي فقد تكفل الصحافيون والكاميرات المنصوبة أمام مدخله لساعات عدة يوميًا، بالأمر.

وقال عبدالرؤوف شاداني، الذي جاء من باكستان إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أيضًا إمام مسجد الأصدقاء المسلمين في ولاية فلوريدا، للصحيفة، إن منظمته أمرت بتأسيس مبنى جديد من طابقين، إلا أن هذا الأمر جاء مؤخرًا ولم يتم تنفيذه حتى الآن في ظل حادث قتل أورلاندو، مشيرًا إلى أن المسلمين يأملون الآن في التجمع للإفطار بعيدًا عن التحرش اللفظي من الآخرين.

وأضاف أن الأطفال المسلمين الذين اعتادوا على لعب كرة القدم في موقف السيارات خلال المساء، أجبروا على البقاء في منازلهم، مشيرًا إلى أن 1% من بين 44 ألف نسمة من سكان تلك المدينة، مسلمون، وأطفالهم من مواليد أمريكا، مؤكدًا أن المدينة يتواجد بها العديد من المهاجرين المسلمين منذ عقود، إلا أن ظهور تنظيم "داعش"، وازدياد هجماته الإرهابية في العديد من دول العالم تسبب في صعوبة انتقال المسلمين إلى الولايات المتحدة.

وفي السياق، قال بدر بخت، مدير مطعم، والذي تطوع لطهي طعام الإفطار لزملائه المصلين في المركز الإسلامي في فورت بيرس، إن المجتمع الأمريكي بحاجة للتفاعل بين المسلمين وغير المسلمين، وأضاف أيضًا: "علينا أن نقدم أنفسنا للناس لنريهم أننا أشخاص عاديون نشاهد الأفلام ونستمع للموسيقى".

واعتاد "بخت" طهي وجبات الإفطار خلال شهر رمضان في مطبخ المسجد، إلا أنه عقب وقوع حادث أورلاندو يتجه إلى مطبخ منزله لطهي الوجبات، حتى يكون بعيدًا عن أعين الكاميرات، التي تُحيط المركز الإسلامي في المدينة.

ووصفت ليندا هودسون، عمدة المدينة المعروفة بزراعة الحمضيات، الجالية المسلمة بالكلمات نفسها التي استخدمها عديد من الأشخاص الآخرين، حيث قالت "إنها اختفت تقريبًا"، وأوضحت أنه لم يحاول أي شخص من مرتادي المسجدين التواصل معها.

وصرحت هدسون: "إن قال لي أحدهم "نريد مساعدتك"، سأتحرك على الفور لتقديم المساعدة بكل طاقتي"، وأضافت أنها كانت تعرف أمين مكتبة مسلمًا، لكنها الآن لا تقابل في طريقها أي مسلم، حتى هؤلاء الذين تعرفهم.

وتابعت: "الكثير من المسلمين يوضحون أنهم مختفون لأنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع، إذ يقولون إنهم (نشأوا هنا)، كما أنهم مختلطون في المجتمع، لأنهم جزء من نمط الحياة".

وكان "متين"، الذي أطلق الرصاص على أكثر من 100 شخص في أورلاندو، دفع فواتير استخدام المرافق قبل يوم من الهجوم الذي شنه، إذ تقول هدسون: "الناس يعتقدون أن أحد الأشخاص الذي كان يسير بيننا، كان يكرهنا".

وبدأ مهاجرون من باكستان وبنجلاديش وبلاد أخرى خلال مطلع السبعينيات، في الاستقرار بتلك المنطقة المشهورة بانتشار بساتين البرتقال، إذ تحولت إحدى الكنائس القديمة التي كانت تقع على طريق "ميدواي" المزدحم، إلى مركز إسلامي، واليوم يصلي في المركز حوالي 150 مسلمًا، بمن فيهم عائلة متين، وفقًا للواشنطن بوست.

وقالت ماريا مارتينيز، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 37 عامًا، والتي تسكن بالشارع  نفسه الذي يعيش فيه والدا منفذ العملية، إنها ستصوت لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ولا يعود السبب في ذلك إلى أنها تحب كل شيء متعلق بالمرشح الجمهوري، فالأمر ليس كذلك، إذ قالت: "السبب الوحيد يكمن في أنني أعتقد أنه سيكون أكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بالإرهاب، وأنا أوافق على المنع المؤقت لدخول اللاجئين".

ويضع أحد كبار السن علم الولايات المتحدة بالقرب من شرفته، ويبرز من حائط منزله غزالة منحوتة وشعار حملة دونالد ترامب بالقرب من باب المنزل، إذ قال إن ثمة الكثير من حوادث العنف التي يرتكبها المسلمون، بما في ذلك حادث سان برناردينيو، وكاليفورنيا، وهجوم باريس، وهجوم أورلاندو.

ويضيف: "عندما يكون لديك ذلك المسجد الصغير في طرق مدينتنا"، والذي لديه علاقة بمرتكب المذبحة، فربما قد حان الوقت لننظر إلى من يدخل هذه البلاد، وعلى الرغم مما يقال، وُلد متين في الولايات المتحدة، حيث كان يبلغ من العمر 29 عامًا، والذي وصل والداه إلى الولايات المتحدة منذ 35 عامًا.

ومنذ عامين، ترك أمريكي آخر، والذي كان بالصدفة يذهب إلى مسجد فورت بيرس، سيارته هناك قبل أن يسافر إلى سوريا، وهو منير محمد أبو صالحة، الذي عاش في مدينة تقع شمال فورت بيرس، حيث قاد الشاب الأمريكي سيارة محملة بالمتفجرات للهجوم على مطعم مكتظ بالبشر في سوريا.

ويقول الرجل الكبير: "رئيسنا قال إنه سيفتح الأبواب من أجلهم، أما ترامب، فقد قال إنه سيمنعهم من الدخول".

وتتسم فورت بيرس بحالة استثنائية من التنوع، فثمة كثير من ذوي البشرة السمراء وكذلك البيض، فضلاً عن زيادة أعداد اللاتينيين، لكن كثيرًا من غير المسلمين الذين أجروا مقابلات صحفية، يقولون إن المسلمين يميلون إلى الإبقاء على أنفسهم بعيدًا، كما أنهم يتحدثون لغات غير معروفة مثل الأوردو والفارسية الدرية.

وفي المقابل، يقول المسلمون الذين أجروا مقابلات أيضًا مع الصحيفة، إنهم يعملون في المجتمع مثل أي شخص آخر، فهم أطباء وسماسرة، ورجال أعمال، وقد عملت شقيقة "متين" في أحد المستشفيات، وأيضًا عملت في أحد مراكز التجميل أما والده، فإنه يعمل بالتخطيط المالي، وهو ناجح إلى حد ما، إذ يقود الأب سيارة ماركة مرسيدس.

ويقول فادي عودة، مهاجر فلسطيني يبلغ من العمر 33 عامًا، والذي يساعد في إدارة محطة فاليرو لبيع الوقود والأطعمة، وهي استراحة محلية يذهب إليها ضباط الشرطة ورجال الإطفاء أيضًا، إنه يشعر أنه في بيته بهذا المكان، لكنه يشير إلى حالة جديدة من عدم الارتياح بعد هجوم أورلاندو، وكذلك الأحاديث التي تتناولها الأخبار عن "المسلمين المتطرفين"، حيث أوضح قائلاً: "يعتقد بعض الناس أنك إرهابي لأنك مسلم".

ويتناوب على زيارة المكان الزبائن المعهودون، والذين ينادونه بـ"فريدي"، حيث يأتون لشراء الساندويتشات وتبادل الأحاديث اليومية، فضلاً عن فرقعة بعض النكات المتعلقة بكونه مسلمًا.

 ويدرك "عودة" أنهم لا يقصدون أي إهانة، لكنه يقول إن الأمر المحبط يكمن في أنهم لا يستوعبون مدى الإهانة من ذلك الأمر.

ويضيف: "الناس لا يمكنهم تفهم أن ارتكاب العنف في الإسلام يعد من الخطايا، وما فعله متين ليس من الإسلام، في الحقيقة أشعر بالقلق على أمي، لأنها ترتدي حجابًا".

وتنتاب آخرون مشاعر خوف مشابهة، حيث أصرّ أحد الرجال على أن يصطحب زوجته إلى مكان عملها التطوعي في المكتبة كي لا يتركها وحدها، كما تقول امرأة أمريكية باكستانية إنها شعرت بالتوتر عندما رأت اثنين من البيض يلتقطان صوراً لها عندما وقفت عند إشارة المرور، حيث اعتقدت أنهما فعلا ذلك فقط لأنها كانت ترتدي حجابًا.

ويقول كثير من المسلمين في المساجد، إنهم يعتقدون أن متين لم يقتل بدافع الدين، بل لأنه كان مضطربًا نفسيًا، وأنه أعلن عن ولائه لداعش لكي يحظى بالشهرة.

وقال كثير من غير المسلمين هنا، إنهم يتساءلون ما إذا كان تشويه سمعة المثليين التي يسوقها علماء المسلمين قد لعب دورًا في القرار الذي اتخذه متين بالهجوم على النادي الليلي للمثليين، لكن المسلمين الذين أجروا مقابلات بالمدينة، يقولون إن المتطرفين ليسوا مسلمين وإنه على الرغم من أن الإسلام لا يتغاضى عن المثلية، فإنه بكل تأكيد يدين العنف.

وأوضحت دراسة حديثة أعدها مركز بيو للأبحاث، حول الديانات الموجودة في أمريكا، أن المسلمين منقسمون فيما يتعلق بالمثلية، وكان نتيجة الاستفتاء تقول إن 45 % من مسلمي أمريكا يعتقدون أن المثلية يجب أن تكون مسموحة، بينما يرى 47% منهم أنه لا ينبغي تشجيع المثلية.

وقد أوضحت الدراسة أن المسلمين هم أقل الديانات قبولاً للمثلية، حيث اعتقد 66% من البروتستانت، و70% من الكاثوليك، و80% من اليهود والبوذيين، أن المثلية يجب أن تكون مسموحة. إلا أن المسلمين كانوا أكثر من المسيحيين الإنجيليين والمورمون، حيث اعتقد 36% منهم فقط أن المثلية مقبولة.

وفي أعقاب حادث أورلاندو، اجتمع ما يقرب من 1000 شخص لتأبين ضحايا أورلاندو بشاطئ "فيرو بيتش" الأسبوع الماضي، حيث تحدث فيكتور بيج، وهو ناشط محلي مسلم، عن محمد علي كلاي، البطل المسلم الذي ناهض الكراهية والتعصب الأعمى، حيث قال أمام الجمع الذين كانوا يصفقون "علي كان فائزًا، وعمر متين كان خاسراً".

كما أضاف أمام الـ1000 شخص الحاضرين قائلاً: "ما نسمعه دائماً أن المسلمين لا يتكلمون علانية ضد الإرهاب"، لكنه طلب منهم أن يبحثوا على شبكة الإنترنت عن المنظمات الإسلامية المعروفة وسيجدون أنها تدين الهجمات الأخيرة.

التالي