الصيد في لبنان
الصيد في لبنان 
تحقيقات استقصائية

الصيد.. هواية قاتلة في لبنان

حسن سنديان

لم يتوقع والد الشاب إياد (اسم مستعار)، 24 عاماً، عودة ابنه مضرجاً بدمائه من رحلة صيد أودت بحياته بطلق ناري عن طريق الخطأ.

خرج الشاب العشريني مع أصدقائه في رحلة صيد وتخييم في منطقة البقاع، ليعود في اليوم التالي مصاباً في رأسه، حسب ما يروي والد الشاب.

أُصيب إياد ببندقية صيد أتوماتيك لم تُعرف نوعيتها بعد، من مسافة متر وأكثر، كما يقول الوالد: "الطلق الناري لم يخرج من بندقية ابني وهو يحمل رخصة صيد، بل خرج من بندقية صديقه".

ويضيف: "حتى الآن لم نعرف إذا كان العطل من البندقية، والتحقيق في الحادثة ما زال مستمرا".

يكشف الوالد المفجوع كيف أنه "عندما يحل فصل الشتاء، يبدأ الصيد وإطلاق النار بين المنازل وعلى الأسطح"، فيما يمر الصيادون أمام حواجز الدرك دون أن يتدخل عناصره لإيقاف أي شخص يحمل سلاح صيد "حتى وإن كان السلاح غير مرخص".

يخرج آلاف اللبنانيين سنويا في رحلات الصيد، مصطحبين معهم الأراجيل وعدة الشواء لكسب غنيمة من الطيور كالسمّان وعصفور التين والمطوق، لتتحول هذه الهواية إلى نزهة قاتلة لبعض "الصيادين" وإبادة جماعية للطيور.

يكشف هذا التحقيق، عن عديد من الضحايا والإصابات في لبنان، نتيجة استخدام أسلحة رديئة الصنع، بدأت تدخل إلى لبنان منذ العام 2016، لكنها كسبت شهرة واسعة خلال الأزمة الاقتصادية بسبب سعرها الزهيد، ويفاقم من خطورة المشكلة حالة الفساد في البلد المأزوم اقتصاديا، حيث يمارس العديد من اللبنانيين الصيد بأسلحة غير مرخصة ومن دون دورات تدريبية عملية. 

ويوثّق التحقيق كيف يتم القضاء على التنوع البيئي في لبنان بسبب فوضى الصيد، حيث يتحول لبنان إلى مقبرة لعشرات الأنواع من الطيور العابرة والمستوطنة على حدٍّ سواء.

"عمر" اسم مستعار لشاب في الخامسة والعشرين من عمره، تسبب بمقتل صديقه بالخطأ في إحدى رحلاتهم للصيد في منطقة البقاع الأوسط.

يروي في حديثه لـ "إرم نيوز" تفاصيل ما جرى يومها: "المرح والمزاح كانا سيد الموقف، لاحقا دخلنا إلى مزرعة ذرة لاصطياد الفرّي، فأنا متمرن على الصيد منذ كنت في سن 17 عاما".

يضيف "فجأة حلّق الفرّي، فزعت فأطلقتُ النار دون قصد، وعندما نظرت خلفي وجدت صديقي مرمياً على الأرض وقد أُصيب بطلقٍ ناري في رأسه، ليقضي في طريقنا إلى المستشفى".

وفقا لجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، فقد سُجلت منذ بداية هذا العام أكثر من 10 حالات وفاة أثناء الصيد، فيما تم تسجيل حوالي 400 حالة بين قتيل ومصاب سنوياً منذ العام 2015.

يستورد بعض التجار الأسلحة التي يطلبها المستخدمون، وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ 2019 فإن السلاح الأرخص هو المطلوب.

يحذر عبدو وازن، وهو مدرب صيد ومالك نادٍ للرماية مرخص من وزارة البيئة لإجراء امتحان إصدار رخصة صيد، من هذا النوع من التجارة، فيقول: "يُفترض بأصحاب متاجر بيع الأسلحة تقديم النصح للمشتري، وهذا يستدعي أن يكون لديهم خبير يفحص القطعة قبل البيع، فيما يقول الواقع إن بعض التجار يستوردون قطعا رديئة ويعدّلون على البنادق".

ويضيف: "هناك أشخاص يحشون الخرطوش في بندقية أوتوماتيك يدوياً، وعندما يضع المستخدِم يده على الزناد تخرج الطلقة وتنفجر بيد صاحبها".

تكثر محال بيع سلاح الصيد المرخصة في لبنان وخصوصاً في منطقة البقاع، إذ يحق لأي شخص بالغ أن يتوجه إلى أحد تلك المحال التجارية ويقتني سلاح الصيد الذي يريده، بأسعار تبدأ بـ 200$ وصولا إلى 2000$. 

ووفقا للشركة الدولية للمعلومات - وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة تأسست في بيروت عام 1995- بلغت فاتورة استيراد أسلحة الصيد وذخائرها في لبنان للعام 2016 نحو 19.8 مليون دولار، فيما تراجعت هذه الفاتورة تزامنا مع الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان إلى بضعة ملايين من الدولارات.

يقول بطل لبنان السابق، الحكم الدولي في الرماية سليمان سارة إن تجارة سلاح الصيد تنحصر حاليا في الفئة الخامسة (وتتعلق بأسلحة الضغط الهوائي)، فهي مرخصة ومسموحة عبر المعابر الشرعية، ومنطقة البقاع تعتبر مسرحاً كبيراً لهذه التجارة.

ويضيف في مقابلة مع "إرم نيوز": "قانون منع الصيد الذي صدر منذ أكثر من 10 سنوات، ساهم بشراء السلاح ذي الجودة المنخفضة، فلا يجازف الصياد بمصادرة سلاح باهظ الثمن من الصناعة الإيطالية أو الأمريكية".

وتنص المادة الخامسة عشرة من قانون الصيد على:

(..) مصادرة السلاح المستعمل نهائيا وعند الاقتضاء، بإتلاف الأجهزة والمواد والآلات والوسائل الممنوعة عملا بأحكام هذا القانون كل من ضبط وهو يصطاد دون رخصة، وهو يصطاد بواسطة آلات أو مواد وأجهزة أو أية وسيلة أخرى يحظر استعمالها بموجب هذا القانون.

وأظهرت الإحصاءات الصادرة عن وزارة الداخلية اللبنانية أن عدد مخالفات حظر الصيد تجاوز 888 مخالفة خلال الفترة بين عامي 1995 و 2005 مع إحالة 384 منها إلى المحاكم القضائية. علاوة على ذلك، فقد تم تسجيل 16 حالة وفاة وجرح 3134 شخصا.

ولم تصدر بعد هذا التاريخ أي إحصائيات جديدة، كما أن مديرية الأمن الداخلي في لبنان رفضت الإفصاح عن أي معلومات جديدة.

السلاح الرخيص.. حسب الطلب

رشاد خليل، رئيس الجمعية اللبنانية للرماة يحدد مشكلات السلاح الرخيص في أنه "عندما يصطدم كعب البندقية بشيء ما يحصل عطل في الإبرة فيطلق النار دون الضغط على الزناد".

ويضيف: "المصانع تقدم أسلحة بمواصفات حسب الطلب حتى وإن كانت المواصفات لمعدن رقيق وضعيف".

وراسل معد التحقيق إحدى الشركات لطلب سلاح بمواصفات معدن رقيق، فحوّلوا أمر الشراء لمندوبهم في لبنان، والمندوب وافق على الطلب مباشرة.

ورفض أول تاجر في منطقة شتورة إجراء مقابلة مع معد التحقيق حول الأسلحة المخالفة للمعايير، واكتفى بالقول: "نحن تجار نتعامل مع الشركات التركية وشو بيجينا منبيع".

معايير السلاح جيد الصنع في لبنان

ودخل معد التحقيق إلى محل آخر في نفس المنطقة بصفة مشترٍ، حيث وجد سلاحا من نوع "بومب أكشن" تركي بسعر 259 دولاراً مع جعبة ومخزن وخرطوش، وعرض المحل أيضا أسلحة تركية بسعر أقل يبدأ من 150$ ودون كفالة.

لاحقا، توجهنا إلى أحد تجار السلاح المرخص في العاصمة بيروت لصاحبه حسن سراقب، الذي أوضح أن "بيع الأسلحة بمعدن خفيف في أوروبا يعتمد على آلية فحص إجبارية كي تحصل القطعة على الموافقة من الجهة المختصة فتكون صالحة للاستعمال، وهذا المعيار يأتي بختم حديدي مع المواصفات على البندقية".

أما في تركيا، وفقا لسراقب، فهذا المعيار غير معتمد، "لديهم بنادق يمكن أن تكون مطابقة للمعيار وأخرى لا تطابق، والسوق اللبناني مفتوح لكل شيء".

وليست المحال التجارية المرخصة وحدها من تروّج أو تبيع الأسلحة، حيث انتشرت عبر  صفحات "فيسبوك" أسلحة صيد للبيع مجهولة المصدر، منها ما هو مصنوع من العظم أو البلاستيك المقوى، وأنواع أخرى أتوماتيكية، وبإمكان أي شخص التواصل مع صاحب البندقية، وشراؤها على الفور. 

بنادق معروضة للبيع على فيسبوك في لبنان

يقول سراقب: "التجارة على السوشال ميديا دون رقيب، يمكن من خلالها البيع دون ملاحقة أو تأكيد هوية الشاري، ويمكن أن تباع بواسطتها أسلحة مسروقة أو معاد تصنيعها أو معطوبة وفيها عيوب دون كفالات".

في المقابل - يقول التاجر- "نحن نبيع من خلال البطاقة الشخصية للتأكد من أن الشاري أكبر من 18 عاما وأنه لا يعاني مشاكل نفسية، إذ يحصل الطرفان (البائع والمشتري) على نسخ عن العقود، ونزود وزارتي الدفاع والداخلية بنسخ منها، ويقوم الجيش بمراجعة المحال والتفتيش كل 6 أشهر".

أسلحة ممنوعة وخرطوش قاتل 

حاول "جاد" 24 عاماً (اسم مستعار)، إصلاح العطل الميكانيكي في بندقية الصيد التي يملكها، خلال رحلة صيد مع ابن عمه في سهل البقاع، أعاد الخرطوشة مرة أخرى إلى بيت النار فلم تستجب البندقية، حاول مرة أخرى وسحب المغلاق إلى الخلف فانفجرت في يده، ما أدى إلى إصابته. 

ولا يحمل جاد رخصة سلاح أو رخصة الصيد التي تصدر عن وزارة البيئة في لبنان. ويقول: "أحب الصيد منذ صغري، ولم أتوقع أن يحدث العطل في البندقية".

وتمنع وزارة البيئة الصيد ببندقية أوتوماتيكية أو "بومب أكشن"، لكنها تباع في المتاجر بشكل علني، فمن خلال البحث عبر المصادر المفتوحة، يتبين أن العديد من الأشخاص والورشات تقوم بصناعة الخرطوش يدوياً، أو عبر مكنات كبس من دون الحصول على رخصة وزارة الدفاع.

المادة 3
بندقية بومب أكشن

اشترى أحد الصيادين "ع.و" علبة خرطوش من أحد المحال التجارية في شتورة، وبعد أن استخدم الطلقات النارية أثناء الرماية تبين أنها مخالفة للعيار المطلوب للبندقية، الموجود على ماسورة البندقية، حسب قوله. 

طلقات مخالفة للعيار المطلوب

رخص الصيد والدورات التأهيلية

ولا يزال موضوع الصيد في لبنان محط جدل منذ إصدار قانون نظام الصيد البري رقم 580 لعام 2004، ولكن دون تنفيذه.

القانون منح وزارة البيئة صلاحيات إصدار رخص صيد كي تضع أساسا تنظيميا للصيد الجائر، عبر إنشاء مجلس أعلى للصيد البري.

وصدرت حينها قرارات تنظيمية عامي 2011 -2012، ووضعت الوزارة دليل امتحان الصيد، ليتم الاستناد إليه مع التدريب العملي في مراكز الصيد المعتمدة.

النوادي المخولة بالتدريب على الصيد

يُقسم الامتحان لجزأين، نظري يتضمن 25 سؤالا عن الطرائد المسموح والممنوع اصطيادها، وعن الحفاظ على البيئة واحترام الخصوصية. والقسم العملي يجري من خلال النوادي المرخصة، لكن معظم أصحاب نوادي الرماية لا يلتزمون بالجانب العملي من التدريب.

ويوضح بطل الرماية والمدرب "سليمان سارة" أن هناك شروطا  للصيد، فبعد إصدار رخصة حمل سلاح والحصول على ورقة مبيع وإفادة المختار وشهادة طبية من قبله بأن حامل السلاح يتمتع بالقوة العقلية التي تخوله استخدام السلاح، يجب أن يتجه الشخص لإصدار رخصة صيد عبر الخضوع لامتحان في أحد مراكز التدريب، وبعد اجتياز الامتحان يتقدم لاستصدار رخصة صيد، وهذه الرخصة يجب تجديدها كل عام.

ويكشف سارة: "للأسف.. أعرف نوادي توزع الشهادات عبر الواسطة، وأغلب المتقدمين يحصلون عليها من دون جدارة، بل تحول الأمر إلى تجارة، والدليل أن معظم الأشخاص المتقدمين نجحوا حتى من دون الذهاب للامتحان، وتم توقيف بعض النوادي عن العمل لفترة من قبل وزارة البيئة".

وأشار "سارة" إلى أن "منح الشهادات تحول إلى تجارة يجني فيها اتحاد نادي الرماية من كل شخص يتقدم للامتحان حوالي 5$".

ويضيف: "الدورات أُجريت لمرة واحدة ثم توقفت، وثمّة أشخاص وشركات مستفيدون منها".

رشاد خليل، رئيس الجمعية اللبنانية للرماة، أكد بدوره على حديث "سارة"، وقال: "المتقدمون أتوا وأجروا امتحانات نظرية فقط، وهي عبارة عن أسئلة على الكمبيوتر، أما الامتحانات العملية التي تتعلق بناحية الأمان وطريقة استخدام السلاح فلم يخضع لها أحد، وهي من ضمن الشروط الأساسية للامتحانات التي تجريها وزارة البيئة للحصول على رخصة صيد".

ويضيف: "غالبية المتقدمين نجحوا، لأن الامتحان كان عبارة عن 25 سؤالا نظريا فقط، والبعض منهم أرسل أوراقه وأعطوه الرخصة. في المقابل هناك نواد لا تعطي الرخصة إلا في حال حضور الطالب رسمياً".   

وتقدّر نقابة تجار أسلحة الصيد في لبنان عدد الصيادين بنحو 200 ألف، لكن إحصاءات وزارة البيئة التي فتحت موسم الصيد في الأعوام من2017 حتى 2020 تفيد بأن عدد من تقدّموا للحصول على تراخيص في السنة الأولى كان 16 ألف صياد.

وتدنّى العدد في السنتين الثانية والثالثة إلى 12 ألف صياد، وفي السنة الرابعة (2020) إلى 6 آلاف فقط. وكان متوقعا أن يكون عدد المتقدمين للتراخيص لسنة 2021 في حال فتح "الموسم" بحدود 3 آلاف متقدم، ما يعني أن أقل من 10% في أحسن الأحوال هم فقط من تقدموا للحصول على رخصة.

وحشية "على سبيل المزاح"

يتعين على الطيور المهاجرة عبور "عنق الزجاجة" في لبنان مرتين في السنة، وأغلب الطيور تقريباً تمر عبر ممر صغير في الجبال اللبنانية، وتتعرض لإطلاق نار جماعي من قبل الصيادين، ما يُعتبر إبادة جماعية للطيور، الأمر الذي يضع لبنان أمام تهديد الإخلال بالتوازن البيئي، حيث يأخذ الصيادون صور السيلفي مع طرائدهم من الطيور خلال رحلة الصيد على سيارات الدفع الرباعي للمباهاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويظهرون كميات كبيرة من الطرائد مخالفة للحد المسموح باصطياده. 

ملتقطة من جمعية حماية الطبيعة

ويحظر قانون الصيد الجديد، الذي تم إقراره في عام 2017، اصطياد الطيور الفريدة من نوعها في العالم، حيث تطلق الوزارة جدولاً كل عام لعدد وأنواع الطرائد المسموح باصطيادها، إلا أن كثيرين لا يلتزمون بها، كما يستخدم الصيادون بنادق عالية العيار وبنادق بعيدة المدى لإخراج الطيور المارة من فوق التلال عن مسارها، حيث يتم أكل بعض الطيور جزئياً، والعديد من الطيور التي تتعرض لإصابات خطيرة تسقط بعيداً وتُترك ببساطة للموت.

كما يتم إطلاق النار على مئات الآلاف من الطيور المحمية كل عام، بما في ذلك عشرات الآلاف من صقور العسل وعدة آلاف من النسور والطيور المغردة، بحسب جمعية حماية الطبيعة.

ملتقطة من جمعية حماية الطبيعة
ملتقطة من جمعية حماية الطبيعة

طيور مهددة بالانقراض

سُجل في لبنان حتى الآن 412 نوعاً من الطيور ما بين مقيم ومهاجر ومشتي، بحسب رئيس جمعية حماية الطيور في لبنان فؤاد عيتاني، الذي يعمل مع أعضاء الجمعية على توعية وتثقيف المجتمع بشأن فوائد مختلف الطيور.

أرقام تبين عدد الطيور التي تقتل في لبنان (إنفوجرافيك)
الطيور المهددة بالانقراض (إنفوجرافيك)

ويشرح عيتاني مدى خطورة الصيد الجائر على لبنان، قائلاً: "ليس هناك دراسة حديثة ودقيقة لتحديد عدد الطيور التي تُقتل كل عام في لبنان، لكن الرقم المقدر قد يزيد عن 5 ملايين طير، ومن أصل 412 نوعا من الطيور المسجلة في لبنان هناك 43 نوعاً مهددا أو شبه مهدد بخطر الانقراض".

بين عامي 1995 و 2016، تم حظر إطلاق النار على الحيوانات البرية رسمياً في لبنان. وأدى افتقار الضوابط إلى زيادة حادة في الصيد غير المشروع، كما تطور إطلاق النار على الطيور المهاجرة في الخريف والربيع إلى "هواية" منتشرة على نطاق واسع، حيث يقع عدد لا يحصى من اللقالق والطيور الجارحة وغيرها من الأنواع النادرة ضحية لها كل عام حتى اليوم، وذلك بحسب لجنة مناهضة ذبح الطيور (CABS).

ومنذ سبتمبر 2017، دخل القانون رقم 580 الذي تم إقراره حديثاً، والذي ينظم بشكل شامل لأول مرة إطلاق النار على الطيور والحيوانات البرية الأخرى، حيز التنفيذ في البلاد، حيث يوجد الآن 12 نوعاً من الطيور القابلة للصيد، لكن جميع الطيور الجارحة واللقالق والطيور المهاجرة الأخرى محمية بشكل صارم. كما يستمر موسم الصيد الرسمي من أيلول/ سبتمبر إلى نهاية كانون الثاني/ يناير، إلا أن صيد الربيع ممنوع. 

الطيور المسموح بصيدها في لبنان (إنفوجرافيك)

"قواصون لا صيادون"

للصيد أساليب وطرق ومواعيد محددة يجب أن يلتزم بها الصياد حسب القانون الذي أقرته الوزارة، لكن في لبنان بات الأمر مختلفاً تماماً، فـ"القوّاص" يعتمد أساليب غير شرعية لاصطياد كميات كبيرة من الطرائد، كالشبك والدبق، ومسجل الصوت، والليزر، حتى الاصطياد ليلاً بين المنازل، حيث انتشرت تلك الأساليب دون رقيب وعلى العلن في وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفقا لمدير ملف الصيد في جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) ورئيس وحدة مكافحة الصيد الجائر التابعة لها (APU)، أدونيس الخطيب، فقد بلغ عدد الشكاوى على مخالفات قانون الصيد في الموسم ما بين 700 و 1000 شكوى، وبعضها مكرر.

ويقول الخطيب لـ "إرم نيوز": "نحن كوحدة مكافحة الصيد الجائر نوثق المخالفات ونرسلها إلى قوى الأمن التي أحياناً تتحرك وأحياناً لا، حسب قدرتها وأولوياتها الأمنية في ظل الوضع الاقتصادي والأمني الحساس". 

المادة الرابعة عشرة من القانون

تعطيل المجلس الأعلى للصيد

"منذ عامين لم تفتح وزارة البيئة موسم الصيد، نظراً لحجم الطرائد المهددة بالانقراض" كما تقول. في المقابل منعت كل صياد يحمل رخصة صيد من ممارسة هذه الهواية التي تحق له بموجب القانون اللبناني، وذلك بحسب جوزيف داغر، رئيس جمعية هواة الصيد البري في لبنان.

يشتكي داغر من شمول جميع الصيادين بقرار المنع، من يلتزمون بالقانون أو من يخرقونه، ويقول: "كل من يصطاد بالشبك وفي أوقات الليل لديه من يحميه، البلدية والمخفر في كل قرية يعلمان من يصطاد بالشبك. لماذا لا يلاحقونهم؟".

ويشهد لبنان صيدا جائرا وعشوائيا يقتل ما يقارب 2.5 مليون طير سنوياً، وفقا لأرقام الائتلاف اللبناني لحماية الطيور. ويقول أيمن دندش، المستشار الإداري للائتلاف البيئي في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هذا الصيد يحدث خللاً في التوازن البيئي والتنوع البيولوجي.

الصيد بالشباك
الصيد بالشباك
الصيد بالشباك

ويكشف دندش أنه لا توجد دراسات تحدد كمية ونوعية الطيور المهاجرة التي تمر عبر لبنان ونسبتها وأحجامها ومكان وجودها الجغرافي، مشيرا إلى أن مشكلة غياب المعلومات واحد من أسباب الخلل الموجود.

ويضيف: "المشكلة الأساسية تكمن بالمرسوم الذي صدر بتشكيل المجلس الأعلى للصيد ولكنه لم يتم التوقيع على تجديده حتى الآن".

وتوكل للمجلس الذي لم ينشأ بعد، مهام تحديد موسم الصيد، وإنشاء مراكز لتربية هذه الطرائد والطيور ومن ثم إعادة إطلاقها للبرية، ويطلب من الصيادين والخبراء البيئيين العمل على رؤية موحدة.

ويضم المجلس ممثلين عن وزارات عدة (العدل، والزراعة، والدفاع، والبلديات والبحوث العملية ونقابة تجار أسلحة الصيد)، وتقتضي مهامه الرقابة على الأسلحة وضبط المخالفات.

وزارة البيئة تعلق

تواصل "إرم نيوز" مع مستشار وزارة البيئة حبيب معلوف الذي برر قرار عدم فتح موسم الصيد بغياب أي دراسات حول وضع الطيور في لبنان، وبيّن أن تنظيم الصيد مهمة من الخطأ إعطاؤها لوزارة البيئة، معتبرا أن "دورها يجب أن يكون حماية التنوع البيولوجي وحماية الطيور فقط".

ويوضح معلوف: "هذا العام أيضاً لم يتم السماح بفتح موسم الصيد اعتبارا من أيلول/سبتمبر الماضي، وهذا القرار كان بمثابة رسالة إلى كل الوزارات بالتشدد في منع كافة أشكال الصيد البري، والمعاقبة بحسب القانون بأشد العقوبات للمخالفين".

ويرى أنه "يجب مراجعة قانون الصيد، الذي تم تعديله عامي 2004، 2005، والذي تم فيه نقل وصاية الصيد البري من وزارة الزراعة إلى وزارة البيئة، تحت ضغط المقالات البيئية حول الصيد الجائر".

المستشار معلوف كشف أن فتح موسم الصيد بين الأعوام 2017 و2021 كان بضغط تجار سلاح الصيد والخرطوش ومعدات الصيد. وأضاف: "كانت تُفتح المواسم من أجل بيع الأسلحة والتجارة والمعدات المرتبطة بالصيد بشكل أو بآخر، وكان التحدي الأساسي بكيفية تعديل هذا القانون لا بل نسفه، بدءا بالمجلس الأعلى للصيد". 

ويؤكد: "في المجلس الأعلى يجب أن يكون ممنوعا وجود أشخاص لديهم مصلحة في الصيد، كنقابة تجار أسلحة الصيد، وهذه ستُلغى، والقانون سيصبح قانون حماية الطيور والحياة البرية، أي أنه ينطلق من الحماية وليس من الصيد، وسيشمل التغيير التسمية والوظيفة، وإعادة النظر في دور وزارة البيئة". 

 ويرى المسؤول في وزارة البيئة أن "الصيد يجب أن يكون فقط بالكاميرا، عبر متابعة حياة الطيور وتصويرها، وليس قتلها، لأن الصيد لم يعد دافعاً من أجل البقاء، حين كان الإنسان سابقاً يصطاد ليعيش".

ويشدد على أن ظاهرة الاتجار بالطيور المقتولة وتقديمها للمطاعم والتقاط الطيور حية وبيعها يجب إيقافها تماما، وكل هذه القوانين يتم العمل عليها كي تُعدّل، آملاً أن تتضاعف أعداد الطيور التي تأكل الديدان والحشرات كي تخفف على المزارعين استخدام المبيدات الحشريّة، لأن الطير يأكل أكثر من وزنه من الديدان والحشرات، وهذه الحشرات ضارة بالمزروعات، ما يؤدي إلى عودة التوازن إلى الطبيعة، وفقا للمستشار معلوف.

"معلوف" أكد أيضا أنه "سيتم إلغاء مراكز التدريب وسيصبح التدريب على التقاط الصور للطيور، وإنشاء محطات عبر رحلة لمراقبة الطيور، وليس اصطيادها "المرحلة القادمة سيطرأ تغيير على لبنان بخصوص الصيد".

وكشف عن استفادة خزينة الدولة من هذه الدورات التي يتم إجراؤها، حيث يلفت إلى أن تقييما أوليا لعائدات تنظيم الصيد وإعطاء التراخيص في السنوات الأربع الماضية، يبيّن أن العائدات كانت بما يقارب 4 مليارات ليرة.

بالمق يرى معلوف أن منع الصيد وحماية الطيور واعتبار مراقبتها (لا سيما الأنواع النادرة) من ضمن السياحة البيئية وعائدات المحميات، يمكن أن يدخل أضعاف هذا المبلغ بشكل مستدام، بالمقارنة مع ما يتسبب به الصيد من انقراض هذه الأنواع على المدى البعيد.

ولذلك يؤكد المستشار معلوف أنه "يجب تعديل القانون بعقوبة أكبر تصل إلى التوقيف، لكل من يصطاد الطيور، ويجب أن تعد جريمة كأي جريمة من الجرائم البيئية.

كما يكشف معلوف أن "العديد من عناصر القوى الأمنية هم صيادون يجب إعادة تدريبهم لتغيير هواية الصيد، واستبدالها بالتصوير، ونحن تحدثنا مع قيادة الجيش أنه في حال تم إقرار القانون الجديد يجب المساعدة في توقيف أي شخص يحمل سلاح صيد، بالإضافة لمنع إصدار تراخيص حمل السلاح وبيع الأسلحة، كما ستتم ملاحقة كل من أعطى رخصة سلاح".

ويرى أن "القانون الجديد سيغلق كافة متاجر الأسلحة"، معتبراً أن "المنع الكلي للصيد أفضل من تطبيق القانون، وأن عدم وجود موسم صيد سيجبر محال الأسلحة على الإغلاق". 

التالي