محمد سناجلة*
زاد عدد المواقع الإلكترونية العربية بشكل مذهل خلال فترة قصيرة نسبيا لا تزيد عن 10 سنوات فمن بضع مئات مع مطلع الألفية الجديدة إلى عشرات آلاف المواقع الإلكترونية حاليا، ويتوقع أن يصل عدد هذه المواقع العربية إلى عشرات الملايين خلال فترة لا تتجاوز السنوات العشر القادمة!
وحتى أوضح التطور بل النمو الصاروخي لعدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي سآخذ السعودية نموذجا، حيث بلغ عدد مستخدمي الانترنت في المملكة 200 ألف مستخدم فقط عام 2000، وقفز هذا الرقم إلى أكثر من 13 مليون مستخدم عام 2011، وهذا ليس أكثر من مثال فقط.**
إن هذا النمو الهائل في تسارع مستمر، ويتوقع علماء الاجتماع أن يصبح لكل شاب عربي موقعه الخاص به على الأقل خلال السنوات العشر القادمة، وهذا يعني أننا سنشهد ملايين المواقع الإخبارية العربية يديرها ملايين الصحفيين العرب الشباب.
إن هذا يتطلب وقفة حقيقية منا، ومراجعة جوهرية لمعنى الصحافة الالكترونية، والصحفي الالكتروني!
وفي البدء أود أن أصحح مفهوما هو خطأ شائع، وهذا المفهوم هو مصطلح الصحافة الإلكترونية، والاعتراض على كلمة صحافة.... هي ليست صحافة بالمعنى التقليدي الراسخ للمفهوم، الموقع الرقمي ولا أقول الإلكتروني ليس صحيفة بل هو موقع رقمي، وليس إلكترونيا أيضا لأن هناك فرقا شاسعا بين الرقمي والإلكتروني، الإلكتروني هو كل نشر يتم على الشبكة، أما الرقمي فهو الموقع المتفاعل الذي يستخدم الهايبرتكست (الروابط المتشعبة) وخصائص المالتي ميديا المختلفة من صوت وصورة وفيديو وأنيميشن...الخ
وعودة إلى مفهوم الصحافة الإلكترونية الذي لم يعد مستخدما في الغرب، واستعيض عنه بمصطلح "الإعلام الجديد" (new media).. نعم يا سادة هو إعلام جديد وليس صحافة إلكترونية.. مفهوم الصحافة التقليدي كله انتهى وتغير لصالح المفهوم الجديد.
الأمر نفسه ينطبق على الصحفي، فهو مفهوم ورقي بامتياز، الصحفي هو الذي يستخدم الصحف (الورق) وقد انتهى زمن الورق لصالح الزمن الرقمي والإنسان الافتراضي الذي يعيش في المجتمع الرقمي.. وهذا الإنسان الجديد بحاجة إلى (صحفي) جديد بكل تأكيد.
في المجتمع الرقمي كل شخص قادر ويملك الوسائل لنقل المعلومة ونشرها بأسرع وقت ممكن، كل شخص هو (صحفي)، وقد بدأ هذا منذ الآن، فالكثير من التلفزيونات والمواقع الإخبارية على الشبكة تقوم بنشر أخبار وتقارير وفيديوهات التقطها وصورها وبثها أناس عاديون تماما، لم يدرسوا في أي كلية صحافة بالمرة، بل إن أهم الأخبار هي تلك التي يبثها أناس عاديون كانوا في موقع الحدث... كل شخص يملك موبايلا هو (صحفي) بامتياز... وهذا الآن فكيف بالمستقبل القريب ولا أقول البعيد.
ومع ذلك نجد أن هناك من الصحفيين من يصر بشكل غريب وعنيد لنقل خبراته في الصحافة المطبوعة واستنساخها في الإعلام الجديد.. متجاهلا تماما كل المتغيرات والثورات التي طرأت على الإنسان الذي لم يعد هو ذاك الإنسان بل تحول وتغير الى كائن جديد هو الإنسان الافتراضي الذي يعيش ويحب ويكره ويتاجر ويعمل ويمارس الجنس في المجتمع الرقمي..
في إرم مثلا عانينا (أنا والصديق الأستاذ تاج الدين عبدالحق رئيس التحرير والذي تحول الى صحفي رقمي بامتياز في فترة قياسية) كثيرا وما نزال نعاني من بعض مراسلينا من الصحفيين الورقيين الذين يصرون بشكل غريب على كتابة مطولات و(ملاحف) فيما يرسلونه من تقارير وأخبار، بعضهم كان يرسل لنا موضوعا مكونا من 3 آلاف كلمة...تصوروا...وحين يراجعه الاستاذ تاج أو أنا ونطلب منه الاختصار يقول إنه يكتب تحليلا شاملا جامعا ويتناول جميع محاور الموضوع.. نقول له يا أخي هذا إعلام جديد يعتمد المشهدية بالدرجة الأولى، ولا يحتمل كل هذه الإطالة لكن دون فائدة.
ترى هل يحتمل الإعلام الرقمي الجديد الإطالة، هل يحتمل التحليل المعمق للموضوع، هل هي (صحافة) تحليلية تقريرية أم إعلام مشهدي جديد ومختلف يعتمد على الصورة والمشهد والحركة أكثر بكثير مما يعتمد على الكلمات؟
لكن قبل الإجابة دعونا نستعرض بعض الحقائق: