توقف عاصفة الحزم انتصار أم اخفاق؟
توقف عاصفة الحزم انتصار أم اخفاق؟توقف عاصفة الحزم انتصار أم اخفاق؟

توقف عاصفة الحزم انتصار أم اخفاق؟

تاج الدين عبد الحق

بالحسابات المجردة، والنتائج العسكرية المباشرة، انتهت عاصفة الحزم، دون حسم. لا الشرعية عادت لليمن، ولا الحوثيون تخلوا عن الأماكن التي تمددوا فيها، ولا القواعد التي سيطروا عليها. ليظلوا جزءا من المعادلة السياسية، ورقما صعبا فيها. الذين فوجئوا بوقف العمليات العسكرية لعاصفة الحزم هم من فوجئوا من قبل بانطلاق تلك العمليات. وهم من خلطوا مفهوم الحزم بمفهوم الحسم. فجاء تقديرهم لتوقف العمليات معبرا، إما عن حالة احباط، أو حالة تشفي.

لكن الحزم ليس مرادفا لغويا للحسم، وبالقطع فإن معناه السياسي مختلف أيضا، والذين اختاروا تعبير الحزم لم تكن تعوزهم الفطنة لو كان في نيتهم أو في حساباتهم حسم الصراع في اليمن بالقوة العسكرية، وفرض حلول سياسية على أطراف الأزمة.

وبالبعدين اللغوي، والسياسي، فثمة نتائج مختلفة للحزم عن تلك التي كانت منتظرة من الحسم. فالحزم لا يعني - كما الحسم - الوصول إلى نتائج نهائية أو فرض وصفة علاج متكاملة، بل وضع الأطراف على الطريق الصحيح الذي يقودهم إلى حلول أو يجنبهم المزالق، او يحميهم من أولئك، الذين يتربصون بهم طمعا بنفوذ، أو تحقيقا لمصالح.

ولذلك فإن عاصفة الحزم عند الإعلان عنها قبل أربعة أسابيع، لم تكن سوى مقاربة جدية ومختلفة، للأزمة اليمنية، تم التعبير عنها باستخدام غير مسبوق للقوة العسكرية، وفي إجراء غير مألوف عن دول الخليج، ولم يكن يوما جزءا من سلوكها السياسي أو تعاملها الدولي.

وهذه المقاربة رغم طابعها العسكري، لم تكن تعني إغلاق الأبواب الأخرى، وإدارة الظهر للمساعي السلمية والحلول السياسية. والذين اختاروا تعبير الحزم كتوصيف وعنوان للعملية العسكرية التي قادتها السعودية وشارك فيها تحالف من عشر دول، يعلمون أن الحسم غير ممكن لأزمة مزمنة ومعقدة كأزمة اليمن، ويدركون أن الأزمة في العمق ليست أزمة سياسية فحسب بل أزمة أمنية واقتصادية واجتماعية. ومثل هذه الأزمات لا تعالجها ضربات جوية ولا تخفف من وطأتها إجراءات عسكرية.

لكن الحزم كان مقدمة ضرورية لأي حسم، خاصة بعد أن دخلت على خط الأزمات اليمنية، أجندات إقليمية، لا تفاقم مشاكل اليمن فقط، بل مشاكل الإقليم برمته. والحزم بهذا المعنى لم يكن موجها للأطراف السياسية اليمنية في الداخل، بقدر ماكان موجها للأطراف الإقليمية، وبالتحديد إيران التي ظنت أن المراوحة الخليجية، في مقاربة الأزمة اليمنية تعبير عن تردد أو عجز، وأن الفرصة مواتية أمامها لمد نفوذها، وإحكام الكماشة على الإقليم برمته.

فجاء الحزم لمنع التمادي في التدخل بالشأن اليمني وتحويل اليمن كما دول أخرى في المنطقة إلى "مكسر عصا"، تصفى فيه الحسابات، وتخلق عبر متاعبه واختلاف مكوناته السياسية والمذهبية التوازنات.

ومن الواضح أن الحزم بهذه الحدود قد آتى أكله، فبخلاف ما ظن كثيرون، فإن اليمن نجا من فخ التحول إلى خاصرة رخوة لإيران، وتبين أن الضربات العسكرية التي وجهت لحلفائها من الحوثيين والمليشيات الداعمة لهم، ومن الحصار الجوي والبحري الذي واكب تلك الضربات أن إيران فقدت وربما إلى الأبد قدرة التأثير بالشأن اليمني.

فقد أخرجت عاصفة الحزم حتى بالحدود التي انتهت إليها، إيران من المعادلة العسكرية، حيث لم يعد أحد يخشى تدخلا عسكريا إيرانيا كما هو حالها في سوريا والعراق ولبنان، وظل أقصى ما يخشاه البعض، هو استمرار المناورة الإيرانية من خلف الأفق السياسي والإعلامي للأزمة.

وكما كان اختيار مصطلح الحزم اختيارا واعيا، فإن مصطلح إعادة الأمل هو الآخر اختيار واع أيضا. فالأمل تعبير فضفاض ومظلة للكثير من التوقعات، التي لا تقف عند حدود استعادة الشرعية واستعادة الأمن، بل انتشال البلاد من كل الأزمات التي جعلته ساحة من ساحات الصراع الإقليمي، ونهبا للتطرف السياسي والعسكري والمذهبي. فضلا عن معاناة اقتصادية واجتماعية مستعصية.

ما يحتاجه تحالف عاصفة الحزم بعد اتمام المرحلة الأولى، من عملية إعادة التأهيل للحوار الوطني اليمني، هو عدم السماح بجعل توقف عاصفة الحزم العسكرية، تعبيرا عن انتصار من يريد لأزمة اليمن أن تستمر، ولمن يريد مزيدا من الاستنزاف لمقدرات المنطقة وأمنها. فالحزم في مواجهة هؤلاء، يمكن أن يكون مقدمة لحسم يعيد اليمن لتاريخه السعيد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com