جدران وأسلاك
جدران وأسلاكجدران وأسلاك

جدران وأسلاك

سمير عطا الله

ظل العالم أجمع لا يعرف سوى جدار سياسي واحد حتى نهاية الثمانينات، هو جدار برلين. ولشدة استنكار الظاهرة، سمّي هذا «جدار العار». وكان جدارًا حسيًا من إسمنت وحجارة وحديد، بعكس «الستار الحديدي»، كما سمي تشرشل العالم الشيوعي، وذاك كان خطًا رمزيًا يفصل ما بين الغرب والشرق والأوروبيين.
الآن ترتفع في أنحاء العالم جدران وأسلاك حديدية وإسمنتية، من حدود المكسيك مع الولايات المتحدة إلى حدود المجر مع جاراتها. تخدم هذه الظاهرة قرار إسرائيل بإعلاء الجدران في وجه الفلسطينيين وفوق أرضهم. وقد تغير موجات اللاجئين والهاربين والمتسللين صورة العالم كما عرفناه حتى نهاية القرن العشرين. فالراغب في ترك بلاده بحثًا عن عمل ورغيف ومستقبل لأبنائه لم يعد يقف في طابور التأشيرات وينتظر الموافقات، بل يعبر أول حدود أو يركب أول قارب مطاطي. وكل هارب يحمل معه هويته كاملة إلى العالم الجديد.
وقد فرض المكسيكيون على الولايات المتحدة اللغة الإسبانية كلغة موازية للإنجليزية. وتغيرت ألوان البشرة في بلدان كثيرة. واختلطت الأعراق والثقافات بلا انصهار وإنما في تضارب. وصورت «دير شبيغل» على غلافها المستشارة ميركل بصورة «الأم تيريزا» التي تداوي المصابين بالبرص والأوبئة. والحقيقة أن قرار ميركل باستقبال هذا العدد من اللاجئين لا سابقة من نوعه في العصر الحديث. ولقد تجاوز بمعانيه «خطة مارشال» التي وضعتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لمساعدة أوروبا على الخروج من معالم الهلاك.
ربما اكتشف الغرب غدًا أنه لا بديل عن خطة موازية في العالم الثالث لوقف ظاهرة الخروج الكبرى من أنحائه. وواضح أن العالم برمّته يواجه الآن زلزالين متوازيين يشكلان معًا حربًا عالمية ثالثة، هما الإرهاب والخروج من الأوطان الفاشلة. وهي في معظمها بلدان دمّرها تخلّف أنظمة الحكم، ونخرها الفساد والجهل وازدراء الشعوب.
ظلت أفريقيا تقول إن الاستعمار سرق خيراتها إلى أن تعرفت إلى الأنظمة الوطنية. ما من بلد في الكوكب لا يترحّم اليوم على استعماره السابق: في المعاملة وفي الاقتصاد وفي القانون. وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث للبشر: أن تترحّم على عبوديتك، وأن تقارن بين رحمة جلاَّدك الغريب وجلاَّدك الذي من جلدك وأهلك وأرضك. يا للهول، على ما قالت السينما.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com