التعليم في عالم (متخيّل)!
التعليم في عالم (متخيّل)!التعليم في عالم (متخيّل)!

التعليم في عالم (متخيّل)!

زياد الدريس

طغت، خلال العقود الثلاثة الماضية، ظاهرة استخدام عنوان: (التعليم في عالم متغير)، حتى لم يعد هناك مؤتمر أو مطبوعة تربوية قادرة على الفكاك من شهوة ذلك العنوان الآسر.

الصدمة التي لم يحسب لها التربويون حساباً هي أن العالم، بعد انقضاء العقود الثلاثة، لم يصبح «متغيّراً» فحسب كما كانوا يخشون، بل تجاوز ذلك الهاجس والقلق إلى وضعٍ آخر لم يخطر في بال أحدٍ منهم.

لم يتغير العالم فحسب، بل تغيّرَ «التغيّر» نفسه!

(العالم المتغير) الذي كنا نخشاه في الثمانينات والتسعينات الماضية ونعدّ الأسلحة والدروع لمواجهته... مرّ سريعاً وأصبح من الماضي. كأنه انتقل من خانة المستقبل إلى خانة الماضي مباشرة من دون أن يمر بالحاضر!

خرجنا من قاعة المؤتمرات حاملين أسلحتنا المسبقة الصنع، وإذا نحن في مواجهة (عدو) مختلف عن الذي تدربنا لمواجهته.

العالم المتغير تحوّل إلى عالم متخيّل/ افتراضي، له مفاهيمه ودلالاته وأسلحته، غير المستقرة أو الثابتة، حتى نستطيع أن نصنع لها (المؤتمرات) اللازمة لمواجهتها!

التربويون يريدون أن يُعلّموا بأدوات واقعية أجيالاً تعيش في عوالم افتراضية.

كيف ستتم المواءمة بين المعلم والطالب... هل باستدناء المعلم إلى العالم الافتراضي أم باسترجاع الطالب إلى عالمنا الواقعي؟

كيف يمكن مقايسة معايير الصواب والخطأ والنجاح والرسوب، إذا كان الطالب في عالمه الافتراضي يتحول إلى معلّمٍ لمعلّمه؟!

كيف سينتزع المعلم دهشة المعرفة والاكتشاف من طلابه، كما كان يفعل بنا المعلمون سابقاً، إذا كانت أدوات الدهشة كلها بيد الطالب الآن؟!

كيف يمكن للمعلم اكتساب الهيبة، التي كان يظفر بها حينذاك بسبب التفرد في المعرفة، وهو الآن يلهث ملاحقاً طلابه في اكتشافاتهم المعرفية كل يوم، بل كل لحظة؟

هل التهديد الذي يناوش الكتب والصحف الورقية الآن، سيطاول أيضاً الكتب المدرسية الورقية التي ما زالت تستهلك جهداً ومالاً كبيراً من موازنات التعليم، على رغم المحاولات الخجولة لرقمنة الكتب المدرسية؟

هل سيصبح (التعليم الإلكتروني) هو التعليم الاعتيادي والسائد الآن بعد أن ظل لسنوات طويلة أحد المحاور الفرعية لمؤتمرات التعليم في عالم متغير إبان الثمانينات والتسعينات؟!

أسئلة كثيرة تتوالد ولا تنقطع عن التعليم في هذا العالم الجديد. كيف لا تنهمر الأسئلة عن عالم افتراضي تهيأ كي يكون منصة لإطلاق الأسئلة... الأسئلة المحيّرة التي لا يبدو أن إجاباتها جاهزة حتى الآن!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com