ملحمة الحجاب والسفور

خالد القشطيني

يقولون إن حملة اجتماعية وثقافية تجري الآن في مصر لحمل النساء على خلع الحجاب والعودة لأيام السفور. هذه حلقة جديدة في تلك الملحمة التي تسلسلت حلقاتها منذ القرن التاسع عشر، عندما بعث محمد علي الكبير بالشيخ رفاعة الطهطاوي إلى باريس لمصاحبة المبعوثين المصريين. كان الطهطاوي رجل دين متفتحًا ومعتدلاً فلاحظ كيف أن النساء الفرنسيات كن يجلسن ويمشين ويعملن سافرات ويختلطن بالرجال بكل حشمة ووقار. رأى أن ذلك لا يتناقض مع الإسلام والشريعة، وأمعن في الاستشهاد بفلسفة المعتزلة العقلانية والمتسامحة كما أينعت في عراق الدولة العباسية، فأوصى المرأة المسلمة باحتذاء ذلك. وأصبحت كلماته الطلقة التي فجرت تلك المعركة بين السفور والتحجب.
تفاقمت المعركة خلال الحرب العظمى عندما لاحظ القوم المجندات الإنجليزيات يشاركن في المجهود العسكري سافرات ببزة الجنود. تعاظم النداء للسفور بحيث صدرت عام 1915 مجلة أسبوعية بهذا الشعار وبهذا الاسم «السفور».
وبمشاركة النساء في نشاطات الثورة المصرية ومظاهراتها من أجل الاستقلال، طغت الحركة من أجل تحرر المرأة ضمن برامج الثورة. أصبح شيوع السفور من الممارسات الثورية في البلاد. وشجع سعد زغلول على ذلك. فراح حتى مشايخ الأزهر يصطحبون بناتهم سافرت، وتظهر صورهم معهن في الجرائد دون حرج. وكان منهم الشيخ الباقوري.
ولم يتردد الشيخ محمد الطنيخي في استقبال بناته من دون حجاب يزرنه في معقله بالأزهر الشريف. وربما كان ذلك بتساهل منه، فطالما عُرف عن علماء الأزهر سعيهم لتحرر المجتمع وتطوره.
وكانت لذلك أصداء في معظم البلدان العربية، ولا سيما في العراق، حيث شجع فيصل الأول هذا الاتجاه، وإن لم يجرؤ على إعطاء قدوة للآخرين بتسفير نساء أسرته على نحو ما جرى في مصر. بقيت زوجته تلبس العباءة والبرقع (البوشية) على عادة العراقيات. بيد أن الشعراء والأدباء شاركوا بحماس في دعم حركة السفور، منهم جميل صدقي الزهاوي.
وشارك في هذه المعركة حتى الشاعر الشعبي المحافظ ملا عبود الكرخي.
خلعت نساء الطبقة المتوسطة من الحجاب، ولكنهن عانين صعوبات في التخلص من العباءة. فجرت معركة طاحنة في مدارس البنات من أجل نبذها. واعتادت الطالبات الوقوف في باب المدرسة ليصفقن لمن تترك عباءتها وتدخل سافرة. ولهذه المعركة فصول وذيول سآتي على ذكرها في مقالتي المقبلة.