أكراد سوريا يبدأون الدراسة بلغتهم وسط خلافات سياسية
أكراد سوريا يبدأون الدراسة بلغتهم وسط خلافات سياسيةأكراد سوريا يبدأون الدراسة بلغتهم وسط خلافات سياسية

أكراد سوريا يبدأون الدراسة بلغتهم وسط خلافات سياسية

لأول مرة في تاريخ أكراد سوريا الذين يقطنون في أقصى شمال شرق البلاد، بدأ التدريس باللغة الكردية (الأم) في المدارس بعد تحويل لغة المناهج الدراسية من العربية، فيما تسري مخاوف لدى أطراف معارضة من أن تشكل محتويات هذه المناهج نوعاً من "الأدلجة" السياسية لصالح حزب معين.

ويتركز الأكراد السوريون في ثلاث مناطق هي الجزيرة (القامشلي) وعفرين وكوباني (عين العرب)، وهي المناطق التي أطلقت عليها الإدارة الذاتية الكردية اسم "كانتونات"، على إثر خلوها من عناصر النظام السوري منذ أكثر من عامين.

ولقيت خطوة التدريس باللغة الكردية ترحيب الكثيرين، إلا أن النظام السوري لجأ إلى إصدار قرار بإغلاق المدارس التي تعتمد المنهاج الكردي، الأمر الذي لم يعره الأكراد اهتماماً، مبررين أن مناطقهم لا تخضع للسلطة السورية، بينما تتهم أطراف سياسية كردية وأخرى عربية الإدارة الكردية نفسها بأنها حليفة للنظام ويشيرون إلى التنسيق بينهما، ما تنفيه الإدارة الذاتية الكردية.

وفي هذا الإطار، أصدر المجلس الوطني الكردي بياناً رفض فيه قرار التدريس، مؤكدا أن كل ما صدر من "قرارات جائرة" بشأن المناهج الدراسية والواقع التعليمي من قبل ما أسماها "سلطات الأمر الواقع" غير مقبول.

والمجلس الكردي يعتبر طرفاً كردياً يقف على وجه النقيض للإدارة الذاتية للمنطقة، متهماً إياها بالتفرد في حكم المنطقة، فيما تقول الإدارة الذاتية إنها دفعت مئات الضحايا لتحرير مناطقها من داعش والنظام السوري وأن المجلس غير مبال بالمنطقة ولا يهمه غير الاجتماعات، إذ جرت عدة اجتماعات بين الطرفين المتناقضين دون نتائج إيجابية.

تفاقم التخوفات من الأدلجة

يتحوف سياسيون أكراد من محتوى المناهج الدراسية المقررة، مستشهدين بصور لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان ومقولات له على صفحات بعض المقررات، معتبرين إياها نوعاً من "الأدلجة" السياسية وتجاهلاً للغاية الرئيسة من الدراسة وهي اللغة.

الصحفي الكردي هوشنك أوسي ينتقد العملية التعليمية الكردية في سوريا، قائلاً إن "الأحزاب المدججة بالدوغمائية والإيديولوجيا، تنظر الى العملية التعليمية، على أنها إحدى وسائل التوجيه السياسي والمعنوي والإيديولوجي"، مضيفاً: "تابعوا إعلام ب ي د والعمال الكردستاني وحركة الفن والشعر والثقافة لدى هذا الحزب ومدى التحشيد والتجييش والتأليب والتحريض والنفس العدواني ضد المختلف، ستعرفون وتدركون ماهية العملية التعليمية والتربوية التي يعتكف عليها الحزب".

ويضيف لشبكة إرم الإخبارية: "العملية التعليمية يجب أن تكون بمنأى عن الزج بصور الشهداء فيها، وإذا كان الأمر كذلك، فيجب وضع صور مشعل التمو أيضاً، وصور شهداء كرد آخرين، لا ينتمون للمنظومة العقائدية لحزب ب ي د".

ويطالب أوسي باستشارة منظمة اليونيسكو أثناء وضع سلطة ب ي د المناهج، متسائلاً: "هل هذه المنظمة مطلعة على هذا المنهاج؟ وما هو تقييمها له؟".

وحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) هو من أكبر الأحزاب الكردية في سوريا تنظيماً وحشداً، ويقوده صالح مسلم.

وبدوره، يقول المتحدث باسم حركة المجتمع الديمقراطي شفان خابوري، إن "المعارضة لا تمثل إلا نفسها، ونحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية ربما تأخرنا في استصدار قرار التعليم باللغة الكردية، إلا أن الظرف الآن بات مناسباً".

وفي تصريح لشبكة إرم الإخبارية، يرد خابوري على التصريحات القائلة بأدلجة المناهج حسب الرؤى السياسية الحزبية الضيقة قائلاً: "المعارضة استدلت ببعض الكتب والمعلومات غير الدقيقة، علماً أنها كتب دُرست في منطقة مخمور (الكريلا) وليس في مناطقنا، ومناهجنا لا تميل لأي جهة سياسية، علماً أننا كنا ندرّس اللغة الكردية حتى في مناطق سيطرة النظام".

وكانت اللغة الكردية بمثابة المحرمات قبل بدء الأزمة السورية في آذار/ مارس 2011، حيث منع النظام التحدث بها وكذلك تدريسها لمدة نصف قرن تقريباً، في الوقت الذي كان يتم التعامل مع حوالي نصف مليون سوري كأجانب، أي بدون وثيقة تثبت أنهم مواطنون.

حزب ب ي د يتعرض لحرب بروباغندا

وقال السياسي الكردي طه الحامد إن "الأطراف الكردية باستثناء مَن اعترف بالإدارة الذاتية ووحدات حماية الشعب أبدت انزعاجها من كل شيء في روجآفا (غرب كردستان - كردستان سوريا)، ومن الطبيعي أن تخوض حملة بروباغندا جديدة ضد إدخال اللغة الكردية إلى المناهج لأن من يقوم بتلك الإنجازات هو حزب ب ي د وحركة تف دم (حركة المجتمع الديمقراطي)، هؤلاء قبلوا أدلجة منهاج التعليم في مخيمات اللجوء بتركيا وجنوب كردستان ويقبلون أدلجة عدنان عرعور (داعية سلفي معارض) وأبو محمد الجوﻻني (القيادي في جبهة النصرة) الذي بايعوه عبر البيان الشهير نحن منكم وأنتم منا أثناء غزوة إدلب".

وأكد الحامد لشبكة إرم الإخبارية أن "الأطراف المعارضة لم تشاهد محتويات المناهج، وإنما حكمت عليها من خلال القيل والقال"، كاشفاً أن "المناهج لا تحتوي على أي مشروع حزبوي ولا تعمل دعاية وتشير لبرنامج سياسي أو عقيدة معينة، كل ما هنالك أنه تم تعريف الطلاب في بعض الصفحات بالشهداء أمثال الشهيدة آرين التي أصبحت إحدى ايقونات أسطورة مقاومة كوباني، وكذلك صورة الشهيد مظلوم دوغان (من مؤسسي حزب العمال الكردستاني)، وهنا لا أعلم أين تكمن الأدلجة".

ويضيف السياسي الكردي: "عندما يُشار إلى القائد عبدالله أوجلان فيجب الإشارة إلى الخالد ملا مصطفى البرزاني وقاسملو وقاضي محمد وغيرهم"، وهؤلاء قادة أكراد تاريخيون.

اللغة الكردية.. استعادة للثقافة والتاريخ

وينص القرار الذي أصدرته هيئة التربية في مقاطعة الجزيرة على أن يدرس الأطفال الأكراد فقط في المرحلة الابتدائية (من الصف الأول إلى السادس) بلغتهم، فيما يدرس العرب بلغتهم، علماً أن اللغات المعتمدة هي الكردية والعربية والسريانية.

ويرى سياسيون أكراد في هذه الخطوة نوعاً من استعادة الشخصية الثقافية للأكراد، سواء بالعودة إلى التاريخ أو الجغرافيا أو حتى التمتع بما يسمونها الحقوق الثقافية، المتمثلة في اللغة، كونها الوحيدة التي تعبر حقيقةً عن وجودهم، كما يقولون، باستثناء الحدود.

وقال بيان صادر عن هيئة التربية في مقاطعة عين العرب (كوباني): "إن المناهج التي كانت مقررة فيما مضى من النظام السوري، كانت على وتيرة واحدة، ولا يوجد بداخلها ما يمكن أن ينمي قدرات الطفل ومواهبه، وإن الإدارة الذاتية قررت إدراج كتب خاصة لتعليم اللغة الكردية وأساسياتها، لتكون بمنزلة تهيئة التلاميذ لقراءة المناهج المقررة باللغة الكردية".

جدير ذكره أن اللغة الكردية (كوردي / kurdî) لغة يتحدث بها الأكراد في غرب آسيا، وتنتمي بدورها إلى اللغات الهند أوروبية، وتضم عدداً من اللهجات الفرعية كالكرمانجية والصورانية واللورانية والظاظية، في كل من تركيا والعراق وإيران وسوريا، المنطقة التي يسميها الأكراد (كردستان).

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com