ردا على طرابيشي والهوني: لماذا حملتُ على «العقلانيين العرب»؟
ردا على طرابيشي والهوني: لماذا حملتُ على «العقلانيين العرب»؟ردا على طرابيشي والهوني: لماذا حملتُ على «العقلانيين العرب»؟

ردا على طرابيشي والهوني: لماذا حملتُ على «العقلانيين العرب»؟

رضوان السيد

قرأتُ مقالتَي الأستاذين طرابيشي والهوني، ردا على مقالتي بـ«الشرق الأوسط» في 4/19 بعنوان: «الحملةُ على الإسلام والحملةُ على العرب». وقد توقّعت الردَّ بل الردين. وكنتُ قد انتقدت من قبل في مقالةٍ بجريدة «الاتحاد» كتاب الأستاذ عبد المجيد الشرفي الأخير «مرجعيات الإسلام السياسي»، وأردتُ من وراء ذلك الدخول في نقاشٍ معه، لكنه لم يردّ. وقد صَدَقَ حَدْسُ الأستاذ الهوني في الدوافع المباشرة لمقالتي الأخيرة «الحملة على الإسلام». فقد أثارني الاحتفال ببيت الحكمة بتونس الذي أقامته جمعية «أوان» وما قيل فيه. وسأوضّح سببَ أو أسبابَ ذلك.

أولا: أنا مهمومٌ مثل كثيرين من العرب مما يجري بداخل الإسلام، ومما يجري على أرض العرب: فما يجري بداخل «الإسلام السني» من انشقاقاتٍ بسبب الانفجارات الجهادية، وبسبب الإسلام السياسي، منذ أكثر من ثلاثة عقود، يبعثُ على الروع والفزع. وما يجري على أرض العرب منذ الغزو الأميركي للعراق، والتدخل الإيراني المباشر وعبر التنظيمات المسلَّحة وغير المسلَّحة في ست أو سبع دول عربية، يبعثُ على الغضب. وقد تابعتُ مثل غيري من العرب (وعبر ثلاثة عقود) وقائع الانشقاقات والاختراقات بداخل الإسلام، وأصولها القريبة، وصدرت لي عدة بحوثٍ وكتبٍ فيها هي: «الإسلام المعاصر» (1987)، و«سياسيات الإسلام المعاصر» (1997)، و«الصراع على الإسلام» (2005). ويصدر لي الآن بأبوظبي (وهو أول كتبي وليس بحوثي بعد الثورات) كتابٌ عنوانه «أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام السياسي». ووجهةُ نظري الإجمالية التي لا يتّسع للتفصيل فيها هذا الردّ أنه كان هناك في القرن العشرين إحياءان: سني وشيعي. والإحياء السني وسط ظواهر الحداثة والاستعمار، وتجريفات الدولة الوطنية الفاشلة ذات الأنظمة العسكرية والأمنية، واصطفافات الحرب الباردة؛ تولدت عنه: الأحزاب العقائدية الدينية - السياسية الكبرى مثل الجماعة الإسلامية بباكستان، وجماعة الإخوان المسلمين بمصر ومتفرعاتها العربية، وهذا من جهة.. ومن جهةٍ ثانيةٍ: السلفيات الجديدة التي انفجرت عنفا وجهادياتٍ منذ السبعينات.

أما الإسلام الشيعي فقد نجمت عن إحيائه أيضا حركات عنيفة ضد الدولة الإيرانية الحديثة، وانفجرت في ثورةٍ شعبية عام 1979، وتولت قيادتها المؤسسة الدينية التقليدية، التي أقامت نظام ولاية الفقيه. ولا مجالَ هنا لشرح عِلَل اختلاف المصائر بين الإحياءين، ذوي الأصول الواحدة، واللذين يشتبكان الآن للمرة الأولى بمبادرةٍ من إيران. لكنني زعمتُ في بحوثي وكتبي السالفة الذكر أنّ من أسباب الافتراق في المآلات: صمود الأنظمة العسكرية العربية بسبب اصطفافات الحرب الباردة، في حين تخلّت الولايات المتحدة عن الشاه - وأنّ المؤسسة الدينية السنية لا تملك قوة المؤسسة الدينية الشيعية، بينما لم تبلغ «التحويلات المفهومية» على خطورتها والتي أحدثها الأصوليون السنة درجة تغيير طبيعة الإسلام؛ في حين استطاعت المؤسسة الشيعية تغيير الطبيعة التاريخية للمذهب.

وعلى أي حال، وعندما اندلعت حركات التغيير العربية عام 2011 من جهات الشبان وقوى المجتمع المدني، ما استطاعت الانفراد بإسقاط الأنظمة، كما لم تستطع إقامة أنظمةٍ جديدةٍ، فبرز الإسلام السياسي (الإخواني ومتفرعاته) على السطح لقوة تنظيماته، وشعبيته المعتبرة، وعادت الجهاديات للانفجار في الموجة الثانية بعد تشرذم «القاعدة» ومقتل أسامة بن لادن، وهي الموجة المصنوعة في معظمها من التداخلات بين المحلي العربي، والإقليمي، والدولي. وما سُرَّت الدولة الإيرانية للظاهرة الجديدة (ظاهرة التغيير العربي بجوارها) وارتبكت، بين كلام خامنئي عن إسلامية الثورات وتقليدها للثورة الإسلامية الإيرانية، أو أنها حركاتٌ مصنوعةٌ من جانب أميركا وإسرائيل! لماذا ارتبكت السلطة الإيرانية رغم صداقتها الطويلة للإسلام السياسي المعارض في مصر وغزة وتونس، ورغم احتضانها لجهاديي «القاعدة» بعد تشتيت الولايات المتحدة، والدول العربية لهم؟ لأنها كانت وبالتشارك أو التجاذب والابتزاز قد أقامت وفي حضور الولايات المتحدة مناطق نفوذ في كل مكانٍ بالعراق والمشرق العربي والخليج.

وأحدثت حركات التغيير مَورانا في كل مكانٍ من العالم العربي يُهدّد مناطق النفوذ تلك، وليس في سوريا فقط. وعندما حدث التمرد الشعبي في سوريا تحقّقت إيران من وقوع الخطر، ولذا ما اكتفت بالوسائط مثل حزب الله والتنظيمات العراقية، والمتطوعين الشيعة الآخرين من اليمن وإلى أفغانستان، فتدخَّل الحرسُ الثوري في سوريا أيضا، ودعم الحركة الانفصالية (وليس الحوثية فقط) في اليمن، ونازع على رئاسة الجمهورية في أفغانستان! إنما الجديد الجديد ما كان تدخل الحرس المباشر، بل تلك اللهجة المذهبية الحادّة التي سادت في التحرك كُلِّه، في تجاوُزٍ غير آبِه لكلّ دعاوى الممانَعَة والمقاومة. حسن نصر الله قال إنه ذاهبٌ إلى سوريا لقتال «التكفيريين»، كأنّ مدافعه في القصير والقلمون وحمص وريف دمشق قادرة على التمييز بين المؤمن والكافر أو المكفِّر من أهل السنة بالذات! هل كان ذلك لضمّ الغربيين إلى جانبه أو إسكاتهم بداعي مكافحة الإرهاب.. أم لإقناع المقاتلين المتطوِّعين بضرورة حماية مقام السيدة زينب، الموجود في ضاحية دمشق وليس في القصير، أم الأمرين معا؟

ثانيا: لقد أطلَّ علينا نحن العرب عام 2013، و«الإخوان» ومتفرعاتهم يسودون في تونس ومصر ويتحركون بقصد الاستيلاء في عدة بلدان أخرى، و«الجهاديون» التكفيريون وغير التكفيريين يحضرون في ليبيا وغزة والعراق وسوريا وسيناء، والإيرانيون باسم التشيُّع (وليس المقاومة) يقاتلون لفرض استمرار النفوذ أو تهديد العرب الآخرين في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين.

عبر العقد الماضي، أُكل رأس الإسلام السني، إذا صحَّ التعبير، واسودَّ وجْهُهُ عبر العالم وفي دياره من خلال الانشقاقات الجهادية، ومن خلال التضييع في المفاهيم الذي أحدثه الإسلام السياسي بمقولات تطبيق الشريعة، والإسلام هو الحلّ. وجاء الإيرانيون مع الأميركيين وبعدهم لشرذمة المجتمعات وتقسيم الدول (وليس السلطات فقط) تارةً باسم الممانعة والمقاومة، وطورا باسم الشيعة المؤمنين، وضدَّ التكفيريين السنة.

ثالثا: كيف كانت ردود فعل (وليس فعل) المثقفين العرب القوميين واليساريين والتحرريين على ربع المليون قتيل في سوريا، وعشرات الأُلوف بالعراق واليمن وليبيا، واستيلاء حزب الله على الحكومة اللبنانية، وانشلال الدولة بالبحرين، ومهازل العسكريين القاتلة بالسودان والجزائر؟ معظم المثقفين السوريين ناضلوا مع شعبهم ولا يزالون. أما في غير سوريا مثل لبنان ومصر والأردن وتونس وديار الاغتراب، ولدى قلة من المثقفين السوريين، فقد ظهرت ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الذي يعتبر إيران وحسن نصر الله محقّين في ما يفعلانه في العالم العربي. والاتجاه الذي يذهب إلى أنّ العلّة في الإسلام الأُصولي السني ولذا لا بد من الوقوف مع بشار الأسد حتى لا يصيبه ما أصاب صدّام حسين؛ فهو البقية الباقية من القومية العربية الميمونة، والعرب غير مهيئين للديمقراطية بعد! والاتجاه الثالث الذي وجد ضآلتَه المنشودة في المخاض الهائل الحاصل، فانصرف مباشرة لمتابعة برنامجه التنويري لتحرير الإسلام، ليس من الجهاديات والحزبيات فقط؛ بل ومن «الإسلام التقليدي»، على طريقة المحافظين الجدد، الذين كتبوا عشرات الكتب خلال العقدين الماضيين في التأصيل للإرهاب والعنف في الإسلام السني. وهذا هو الذي أزعجني في كتاب عبد المجيد الشرفي المفكر البارز والمحترم، وكتبتُ ضده.

فعنوان الكتاب «مرجعيات الإسلام السياسي». وهو لا يتحدث عن ظواهر هذا الإسلام المعاصر أو الجديد، بل يمضي بعد الصفحات الأولى لالتماس مرجعيات سيد قطب وراشد الغنوشي مثلا في كلاسيكيات الإسلام في تفسير القرآن، وفي فهم آيات المواريث، وقضايا المرأة. كأنّ خلافنا مع «الإسلام السياسي» اليوم يدور حول استرجاعه للطرائق التقليدية في فهم القرآن والحديث. بينما مشكلتنا مع الحزبيات والجهاديات إنما هي الخروج على ذاك التقليد في فهم النص، وفي فقه العيش في التجربة التاريخية الإسلامية. إنها تجربةٌ انقضت، وقد قضى على أكثر إمكانيات تجديدها أو فتح التقليد أو اختراعه (بحسب تعبير هوبزباوم) الإصلاحيون والسلفيون والتنويريون معا، إنما ماذا نقول للمسلم في هذا الزمان؟ هل نقول له إن الإسلام المعاصر مرفوضٌ لأنه قاتل، والإسلام القديم مرفوضٌ لأنّ المفسِّرين والفقهاء أخطأوا أصلا في فهم النصوص، فضلا عن أن تلك النصوص فيها ما فيها؟ّ هل هذا هو الفهم الصحيح للمسألة الدينية في التاريخ والحاضر؟

ثم وقبل ذلك وبعده، هذا المثقف عربي، وهو يكتب باللغة العربية، ويتحرك في مجتمعاتٍ عربية، والمفروض أنه إنْ لم يمتلك إحساسات ووعيا قوميا، فهو يمتلك على الأقل وعيا وطنيا أو إنسانيا. وهذا ما أزعجني في برامجكم أنتم العقلانيين والتنويريين العرب. أنت يا أدونيس من سوريا، وكذلك أنت يا عزيز العظمة، ويا جورج طرابيشي، مع حفظ الألقاب، أليس لكم موقفٌ من المذبحة في سوريا، في وطنكم؟! كيف «تقرفون» من «سلفوية» الثوار وعاميتهم وغرائبيتهم وإساءاتهم، أو خروجهم في مظاهراتهم من المساجد (قرأت في تقريرٍ للأُمم المتحدة أنه دُمِّر في سوريا ألف وخمسمائة مسجد بالطائرات والمدفعية: وهل تعرفون أن قبر خالد بن الوليد نُبش بحمص، ليس انتقاما لمزار السيدة زينب مَثَلا، بل لأنّ المرويات الشيعية تقول إنّ خالدا كان ضد علي وفاطمة، وحاول «الفتك» بعلي لصالح أبي بكر؟!).

جورج طرابيشي أراد طمأنتي في ردِّه علي فذكر لي أنه ما كتب غير مقالةٍ واحدةٍ عن الحرب في سوريا، ولذلك قلتُ له وأقول: تكتب ستمائة صفحة في نقد أهل الحديث، وثلاثة آلاف صفحة في نقض مقولات الجابري وحنفي، ولا تكتب غير صفحتين عما يجري بوطنك؟! طبعا هذا شأنك أو شأنكم، لكنْ ليس من شأنكم ولا من حقكم بهذه الشروط تسمية أنفسكم عقلانيين عربا، في حين ينحصـر عملكم في «تنوير» العرب والمسلـمين بشأن الخلاص من موروثهم الديني، وليـس من مصائب الحاضر مثل القذافي (معمـر وسيف) والأسدي والصدّامي وبن علي والداعشي. تسألني بعد ذلك أيها السيد الهوني عمن أخذ الجوائز، وعمن اشتغل عند العسكريين، ومن أين أتت الأموال، أنا أعرف وأنتم تعرفون اسما اسما وعنوانا عنوانا!

أنا مختلفٌ معكم أيها التنويريون العقلانيون، ليس حول مناهجكم في تحرير الإسلام والمسلمين فقط، بل وحول أَولوياتكم، وحول قوميتكم. ولذلك ما أثارني احتفال تونس لأنه لطرابيشي، بل لأنني توقعتُ أن يكون فرصةً - باعتبار المحتفى به مواطنا عربيا سوريا - بحيث يكون في الحفل حديثٌ عن المأساة في سوريا، وعن ضرورة الخلاص من الأسد وإباداته، ومن «داعش» ومصائبها (وبخاصةٍ أن الأسد والمالكي هما اللذان أحضراها، وطابخ السُمّ آكِلُه)، ومن التدخل الإيراني لشرذمة الدول والمجتمعات العربية. ولذلك فإن مقالتي (التي نُشرت في نفس العدد الذي نُشرت فيه مقالتك يا أخ هوني) كانت عن نهايات القومية العربية التي ما بقي من ممثليها في الحكم غير بشار الأسد بزعم قوميينا في لبنان والأردن! لا أعرف أمةً أو شعبا خذله مثقفوه، كما خذل المثقفون العرب الكبار أمتهم وأوطانهم، في زمن الديكتاتوريات، وفي زمن الثورات!

رابعا: لا أُريد التعرض للغمزات واللمزات الشخصية والعامة والمتعلقة بشخصي ومعارفي. فقد قرأتُ للأستاذ أركون كثيرا وكتبتُ دراسةً مستفيضةً عن أُطروحاته وهي منشورة. وأقرأ للأستاذ طرابيشي منذ السبعينات ترجمةً وتأليفا. وقرأتُ كتابه عن أهل الحديث مرتين. وتعلمتُ من الأستاذ الشرفي في كتبه الأُولى، وقرأتُ كتبه ومقالاته في السنوات العشرين الماضية. وقرأتُ كل الكتب المنشورة للأستاذ العظمة، بما في ذلك كتابه الأخير الصادر قبل شهر. وفيه جديدٌ كثير! فقد كانت أعماله السابقة تنصبُّ على نقض أو تفكيك التجربة التاريخية الإسلامية في الدين والدولة والمجتمع والثقافة، وعمله الجديد ينصبُّ على الحفر في أُصول القرآن والإسلام، وأنه من نتاج «الكلاسيكيات المتأخرة»، وهي أُسطورةٌ أُخرى استعارها كالعادة من غيره، وقد قالت لي صديقةٌ له إنه متحمسٌ «لأُطروحتنا» الجديدة كأنما هي من بنات أفكاره! وفي حين أفدتُّ من سائر مَنْ ذكرتُهم قليلا أو كثيرا، فأنا مختلفٌ معهم في المنهج والأَولويات، وهذا ليس بالأمر الجَلَل، فلستُ ساخطا عليهم من أجل الاختلاف المنهجي وليس من حقي ذلك، بل من طرائق فهمهم للحضارة الإسلامية، ولتأزم الإسلام، ومواقفهم اللامبالية أو الراضية عن المذابح الجارية في العالم العربي.

ليس صحيحا أيها الأخ الهوني أنه ليست هناك مشكلةٌ ين الإيرانيين والعرب، أو بين الشيعة والسنة اليوم. بل هناك نزاعٌ عنيفٌ ربما كلفنا خسران ثلاث دولٍ أو أربع، وخسائر بشرية قد تبلغ في هولها ما حصل في حرب صدام على إيران! ولستُ أنا الذي أقول إنه ينبغي مذهبة النزاع أو قومنته، بل الإيرانيون والمتأيرنون يقولون ذلك ويفعلونه. وقد أصدرتُ قبل أيامٍ كتابا عن ذلك عنوانه «العرب والإيرانيون وعلاقات الزمن الحاضر»، فاقرأهُ يا أخ هوني إذا شئت!

خامسا: تبقى مسألتان، مسألة الخليج العربي، ومسألة القرضاوي. ولا أدري لماذا بلغت بكَ القِحة حدود الدخول في هذا «الهرج» (وأقصد بالهرج هنا التهريج، وليس بمعنى القتل كما في اللغة السبئية!). الخليج اليومَ هو دائرة الاستقرار والقرار الباقية في العالم العربي. ودوله هي التي تكافح إرهابيي «القاعدة»، وخنزوانات الإسلام السياسي، وتقف في وجه الخراب الذي تحاول إيران نشره في العالم العربي.

أما الشيخ القرضاوي فهو عالمٌ جليل، لكنني اختلفتُ معه ثلاث مرات في السنوات الأخيرة. والاختلاف منشورٌ في الصحف والمجلات العالمية: اختلفتُ معه عام 2009 عندما قال إن إيران تنشر التشيُّع في العالم العربي. ولأنني ما كنتُ أعرف عن الموضوع غير معلوماتٍ قليلةٍ من سوريا ولبنان، فقد لفتتُ انتباهه إلى أنّ الأخطر هو «التشيُّع السياسي» في مثل حالتي حماس والجهاد الإسلامي، وأحوال القوميين واليساريين الموالين لسيد المقاومة. ثم عرفتُ بعد ذلك من مسؤولين عربٍ كثر، ومن رجال الدين، ومن السياسيين، أنّ التشييع جارٍ على قدمٍ وساق. وقد اضطر شيخ الأزهر لذكر ذلك للرئيس الإيراني نجاد عندما زاره. وقد قلتُ لمسؤول سوداني قبل سنوات، وهو من أنصار المقاومة، وكان يحدّثني عن التشييع بالسودان: «يا أخي، المسلمون السنة هم 93 في المائة من العرب، و90 في المائة من المسلمين، فلا عليكَ من التشييع، وحبذا لو يغادرنا إرهابيونا ولو إلى المجوسية، وحبذا أيضا لو يتوقف السودان عن أن يكونَ قاعدةً لإيران في خاصرة مصر وفلسطين، لكان ذلك أمرا عظيما حقا»!

وأما المسألة الثالثة التي اختلفتُ فيها مع الشيخ القرضاوي فهي دعمه المنقطع النظير لحكم الإخوان في كل مكان! فقد ذكّرتُه في حديثٍ طويلٍ نشرتُ بعضه أنّ مقولتي «تطبيق الشريعة»، و«حتمية الحلّ الإسلامي» كانتا مما تراجع عنه. كما ذكّرتُهُ بأنّ الإخوان المصريين وقفوا ضدَّه في حملته على إيران، وقد قال لنا وقتها: «عجيبٌ أمر هؤلاء، ماذا سيفعلون بالدين إن وصلوا للسلطة، إذ يرون اليومَ أنه لا حاجة للدفاع عنه في وجه إيران بالذات»!

إنّ الأمر لا يحتمل الهزل ولا التضييع. الإسلام في خطرٍ بسبب الاختراقات بداخله، وبسبب الهجمات عليه. والعرب في خطر بسبب الهجمة الإيرانية على مجتمعاتهم ودولهم. لا بد من نهوضٍ إسلامي، ولا بد من إحياءٍ عربي. وقد فوتنا الأمرين وينبغي أن نستدركهما. وأنا لا أُخاطب الزملاء العقلانيين بذلك، ولا أطلبه منهم، فهم جميعا في دار الغُربة، والغربة غربتان: غربةٌ عن الذات، وغربةٌ عن الأهل. ورحم الله أبا حيان التوحيدي حبيب الأستاذ أركون! أنا أُخاطب جمهور العرب الذين يعانون في بلدانهم من النكران والإنكار، وفي الخارج من الاستغراب والاستشراق!

إنّ من حقّكم يا سادة أن تبقوا تنويريين كما تشاءون. إنما يظل من حقنا أيضا أن نُصرَّ على رفضنا طرائق تعاملكم مع ديننا ومع قضايا أمتنا:

«وسوى الروم خلف ظهرك رومٌ..

فعلى أي جانبيك تميلُ؟!».

(الشرق الأوسط)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com