مجتمع يتذرّر وزعيم ينتفخ والذكرى لا تنفع
مجتمع يتذرّر وزعيم ينتفخ والذكرى لا تنفعمجتمع يتذرّر وزعيم ينتفخ والذكرى لا تنفع

مجتمع يتذرّر وزعيم ينتفخ والذكرى لا تنفع

حازم صاغية

أيام قليلة فصلت بين استعادة الذكرى الحادية عشرة لحرب العراق، حين أطيح صدام حسين ونظامه وبعثه، واستعادة الذكرى التاسعة والثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية – الإقليمية في لبنان، والتي ربما شكلت اللحظة التأسيسية لحروبنا الأهلية – الإقليمية اللاحقة.

لكن هذا الموسم التذكري لم يفعل غير تأكيد المؤكد في ما خص انتقائية الذاكرة ونفعية ما تنتقيه، فضلاً عن انشطارها ذاكراتٍ يتذكر كل منها عكس ما تتذكره الأخرى.

فخلال تلك الأيام نفسها، والتي يُفترض بها أن تكون مناسبات للاتعاظ والاعتبار والقول الحكيم، طلع علينا الرئيس السوري بشار الأسد فاستخلص أن بلاده تعيش مرحلة «انعطاف» لصالح النظام. هكذا لم يستطع القتل والموت والتهجير والتدمير، وهي التي يمنحها عيشها الراهن قوةً تفوق كثيراً قوة التذكر، أن تردعه عن ملاحظة ما لاحظه. فإذا كان ثمة «انعطاف» جدير بالملاحظة، فهو انعطاف سورية ذاتها، بفضل رئيسها، نحو الموت.

لقد كانت تجربة مدينة كسب، مثلاً، مناسبة أخرى لاكتشاف هويات نضالية، أرمنية وتركمانية، ترسم -هي الأخرى- المدى الذي بلغه التذرّر السوري و «الانعطاف» الذي يقود إليه تذرّر كهذا.

وكلام الرئيس تعبير آخر من تعابير ذاك التقليد السلطوي العربي العريق الذي يرنو صاحبه إلى غابة الوطن، فلا يرى إلا شجرة النظام. الأول ينهزم دائماً. الثاني ينتصر دائماً.

واقع الحال أن الربط ليس اعتباطياً بين كلام الرئيس السوري والنتائج التي استُخلصت من الحدثين اللبناني والعراقي ولا تزال تُتَذكر عاماً بعد عام، فالجماعات الأهلية في لبنان والعراق لا «تتذكر» إلا على نحو يبرر استمرار العنف في ما بينها، أو إطلاق دورات جديدة منه «تصحح» ما أخطأه العنف السابق.

هنا يُلَف بؤس الواقع وهزاله بوشاح من الفخامة لا يقوى على إسباغه إلا المستبد، فإذ تشتبك في جنوب مصر، الموصوفة بأم التجانس والمركزية في الربوع العربية، عشيرتا بني هلال والنوبية، ويسقط عشرات القتلى ويُحرق عديد المنازل، يتكاثر الاستنجاد التذكري بـ «ثورة يوليو» وبجمال عبد الناصر، اللذين يشتهي البعض استعادتهما في المشير عبد الفتاح السيسي، وإذ يشتبك الأباضيون الأمازيغ والمالكيون العرب في غرداية بالجزائر، يتهيأ الجزائريون لولاية رابعة من حكم عبد العزيز بوتفليقة، المريض وابن السابعة والسبعين الذي يتبوأ الرئاسة منذ 1999. أما الاحتمال الضعيف الآخر، فأن يصعد إلى تلك الرئاسة علي بن فليس، الصادر هو أيضاً عن «جبهة التحرير الجزائرية» التي شغل أمانتها العامة ذات مرة كما شغل سابقاً رئاسة الحكومة.

هكذا تتعرض المجتمعات العربية لتذرّر غير مسبوق، فيما يتعرض زعماؤها لتضخم وانتفاخ باديين. وهذا، مرة أخرى، لا يبعد كثيراً عن قراءة قرأها بعضنا للحربين اللبنانية والعراقية فاستنتجوا، بين ما استنتجوا، أن إسرائيل دفعت اللبنانيين إلى حروبهم، وأن الأميركيين احتلوا العراق ودمروه، وأن الطرفين الأميركي والإسرائيلي جعلا اللبنانيين والعراقيين... طائفيين!

وفي هذا المستنقع ينجو المستبد طبعاً، بل يغدو استبداده مطلباً، كما نرى في هذا البلد العربي وذاك. أما الذكرى، فلا يمكن أن تنفع... هيهات منا التذكر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com