تحية فيروزية ... وتحدٍّ
تحية فيروزية ... وتحدٍّتحية فيروزية ... وتحدٍّ

تحية فيروزية ... وتحدٍّ

كان متوقعاً أن ينقسم جمهور المطربة الكبيرة فيروز حول أغنيتها الجديدة التي أطلقتها عبر الـ «يوتيوب» في الذكرى الحادية والثلاثين لرحيل الفنان الكبير عاصي الرحباني وعنوانها «لمين». والأغنية هذه اقتبستها الفنانة ريما الرحباني لحناً وكلمات عن أغنية للمغني الفرنسي الراحل جيلبير بيكو وتولى توزيعها وتوليفها تقنياً موسيقيّ أجنبي. والآراء التي انهالت عبر الـ «فايسبوك» والـ «تويتر» وسائر الوسائل الإلكترونية والتي لا يمكن إحصاؤها، عبّرت فعلاً عن الموقع الذي تحتله فيروز في الوجدان العام وعن الرمز الذي يمثله صوتها في الذاكرة الجماعية. أغنية قصيرة جداً لا تتعدى الثلاث دقائق أحدثت عاصفة من ردود أفعال مختلفة حتى التناقض. بعض الفيروزيين أعلنوا جهاراً إعجابهم بها وامتدحوا صوت فيروز الثمانيني الذي ما برح قادراً على تحدي وطأة الزمن، ووجدوا في الأغنية أجمل تحية تؤديها المطربة الكبيرة إلى رفيق دربها الفنان عاصي. ولكن في مقابل هؤلاء المتحمسين للأغنية وللفنانة ريما التي تولت إعدادها وتصويرها وإخراجها على الـ «يوتيوب»، وجّه بعض المعترضين، وهم ليسوا بقلة بتاتاً ومنهم من يُعدّون فيروزيين بجنون، نقداً للأغنية ولمطربتهم مستنكرين هذه الخطوة، التي بحسبهم تسيء إلى فيروز وإلى المرتبة العالية التي تحتلها لبنانياً وعربياً وعالمياً. وقال أحدهم إن فيروز أهم من المغني الفرنسي جيلبير بيكو ولا يحق لها أن تقتبس أغنية له ولو كان أصلها الفرنسي جميلاً.

لم تحسم «المعركة» لمصلحة طرف دون آخر، وسادها نقاش سليم بين المنقسمين لم يخل من عبارات نقدية وجّهها بعضهم إلى ريما، متهمينها بـ «الإساءة» إلى أمها في هذا العمل... وكانت «المعركة» مناسبة لـ «تصفية» حسابات وإطلاق ما تمّ السكوت عنه. وأجمل تغريدة انتشرت عبر الـ «تويتر» تبرئة إحدى المعجبات الفنان زياد الرحباني من هذه الأغنية، التي ما كان ليرضى عنها برأيها.

طبعاً لا يمكن الركون إلى حماسة المتحمسين ولا إلى مبالغة المعترضين، فهذه الأغنية القصيرة شاءتها فيروز تحية، مجرد تحية إلى الكبير عاصي الذي تدرك جيداً معنى توجيه تحية إليه، زوجاً وفناناً ورفيق درب وإبداع وخلق... تحية لنقل إنها من القلب، عفوية وصادقة، ولكن بصوت ساحر احتل قلوب الجماهير ورفع الغناء والطرب إلى مصاف إبداعي راقٍ ومرتبة عالية وغير مألوفة. يكفي صوت فيروز إذاً، منتفضاً من صمته، عذباً وجارحاً كالعسل. هذا الصوت الذي لم تنل منه الأعوام ولم توهنه، من شدة إصرار صاحبته على زرع الجمال والأمل، ومن قوة عزيمتها الفنية. إنها فيروز التي لم تعش يوماً إلا لتغني والتي جعلت الغناء غاية وجودها وهوية وانتماء ووطناً. إنها كما قال فيها عاصي مرة: «الكل شيء هي، الكل شيء صوتها، الكل شيء وجودها».

طبعا تستحق فيروز أن تؤدي أغنية جديدة وخاصة بها في هذه المناسبة، فالاقتباس مهما بلغ شأنه يظلّ دون عظمة صوتها ومسارها. اقتباس أغنية فرنسية وسكبها في قالب غنائي عربي ليس بالأمر السهل، ولو أن مطربتنا لم تقلد بتاتاً المغني الفرنسي جيلبير بيكو، بل حلقت بصوتها وكأن الأغنية أغنيتها. وليس سهلاً على جمهورها المعترض والمحتج، وهذا من حقه، أن يتقبل منها هذه البادرة في عز نضجها عمراً وأداء. نجح زياد في اقتباس أغنيات عدة أجنبية لمطربتنا قبل سنوات، وصاغها على طريقته العبقرية توزيعاً وسبكاً حتى بدت تلك الأغنيات كأنها فيروزية. حتى الرحبانيان عاصي ومنصور اقتبسا في مقتبل مسيرتهما ألحاناً من ألوان أجنبية، مثل الرومبا والسامبا، وسكباها في أغنيات أدتها فيروز ببراعة عالية. الاقتباس بذاته ليس أمراً مستنكراً، بل قد يكون حافزاً على إبداع أغان جميلة ورائعة. وكم من مغنين عالميين ومغنيات عالميات اعتمدوا -واعتمدن- هذه «الحيلة» ونجحوا ونجحن فيها. المهمّ هو طريقة الاقتباس والتوضيب الموسيقي والتوزيع...

قد تكون أغنية فيروز «لمين» حققت معظم شروط الاقتباس الناجح ولو بدت مفاجئة وصادمة قليلاً. بعد طول انتظار، تطل المطربة الكبيرة في أغنية لا تشبهها كثيراً، بل في أغنية بدت كأنها ليست لها. بعد بضع سنوات من الانتظار تطل فيروز وحدها، أو لأقل مع ريما وليس مع زياد الذي برع في إعداد مثل هذه الأغاني لها. لكنّ فيروز تحدت انسحاب زياد والفراغ الذي يتركه انسحاب هذا العبقري، وأخذت على عاتقها مهمة توجيه تحية إلى عاصي... ونجحت في توجيه هذه التحية على رغم كل شيء. وليس الاختلاف حولها إلا تتويجاً لها ولصوتها العظيم.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com