تصريحات مقلقة!
تصريحات مقلقة!تصريحات مقلقة!

تصريحات مقلقة!

محمد خلفان الصوافي

حذيرات الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، مؤخراً، والتي قالت فيها: «إن أي تدخل للولايات المتحدة الأميركية ضد الحكومة والجيش السوريين من شأنه أن يؤدي إلى تغيرات مخيفة ومزلزلة في منطقة الشرق الأوسط»، ذكرتنا بما كنا قد نسيناه عن «لغة» التخاطب بين حلف «الناتو» وحلف «وارسو» أيام الحرب الباردة، سواء في قاعات الأمم المتحدة أو خارجها، حيث لم تكن تحمل أي لياقة دبلوماسية، ولكنها تحمل رسائل لها مغزى في مجال التنافس على النفوذ الدولي.

التحذيرات فتحت عيون كثير من المراقبين من العرب على الدور الروسي الجديد في المنطقة، وبالتالي لا يمكن تجاهلها أو تفسيرها بعيداً عن الطموحات الاستراتيجية لروسيا في محاولة العودة إلى ما كان يعرف بـ«المياه الدافئة» خلال فترة الحرب الباردة، وخاصة أن هناك مؤشرات على تراجع أهمية المنطقة في استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية، مثل تردد الرئيس أوباما في تقديم دعم حقيقي إلى المعارضة السورية وفي حسم أزمة تنظيم «داعش».

السلبية الأميركية إزاء هذه التصريحات، حتى الآن، واضحة، إذ لم يصدر عن الإدارة الأميركية أي رد فعل عملي أو كلامي، وقد فسر البعض ذلك بأنه نوع من الاقتناع الأميركي بالواقعية السياسية في النظام الدولي التي يمارسها بوتين مقابل المثالية السياسية للرئيس أوباما التي نتج عنها فشل سياسي له ولإدارته حتى الآن بشهادة وزير خارجيته جون كيري، عندما تسربت تصريحات له مع المعارضة السورية بأن دعم بلاده للمعارضة لا تسنده القوة، في إشارة إلى إحباط الرئيس أوباما لمحاولات كيري الدبلوماسية.

تبدو روسيا هي القوة الصاعدة عالمياً وبثقة، في مقابل تراجع ملحوظ من الولايات المتحدة الأميركية، بل إن هناك اعتقادات بأن حضور السياسة الأميركية على الساحة العالمية (حتى لو أتت بالجمهورين) لن تكون بتلك الحظوة والحضور السياسي المتعارف عليه، باعتبار أن دونالد ترامب المرشح «الجمهوري» ليس الشخص المناسب لقيادة الولايات المتحدة في هذه الظروف التي يمر بها النظام الدولي من إعادة التشكيل، بل إنه مرشح ترك انطباعاً بأنه سيمثل قلقاً للنظام الدولي، لهذا فإن حظ روسيا في لعب دور مهم في السياسة الدولية، وفي المنطقة هو الأوفر، وهذا الدور سيكون أكثر وضوحاً بعد انتهاء «معركة حلب».

في التحذير الروسي ما يحث العرب على الانتباه لأن هناك مصلحة حقيقية في الترتيب لمرحلة ما بعد حلب، ويبقى العمل على التخلص من الفهم الخاطئ أو النمطي للدور الروسي في النظام العالمي، لأن المصالح الوطنية في الاستراتيجيات العالمية لا علاقة لها بالرغبات بقدر ما لها علاقة بالمصالح، وبالتالي ينبغي لنا التفكير بطريقة مختلفة على الأقل في هذه المرحلة التي يبدو أنها تسير نحو تشكيل جديد للمنطقة العربية من ناحية التقسيم الجغرافي ومن ناحية تقاسم النفوذ فيها. فالتحذير لا يخرج عن كونه إفصاحاً عن وجود خلاف حول «تقاسم الكعكة»، وبالتالي ينبغي إيصال رسالتها إلى صانع القرار السياسي العربي، ليس فقط من ناحية احتمالات الدور الروسي القادم في المنطقة، ولكن من ناحية ما يحيط المنطقة العربية من تحديات.

التساؤل الذي خطر على العقول بعد تلك التحذيرات التي فرضت نفسها على وسائل الإعلام العالمية هو: «هل تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية حقيقية أم أنها نوع من الاستهلاك الإعلامي؟»،

ربما ينبغي للإجابة عن هذا السؤال أن تتجاوز الحديث عن وجود اختلافات بين واشنطن وموسكو حول إيصال المساعدات إلى أهل مدينة حلب السورية، إلى أن التصريحات تحمل رسائل بشأن تقاسم النفوذ في المنطقة، الذي بات الجميع يتحدثون عنه، وعرف بـ«سايكس-بيكو الجديدة»، وينبغي أن تنطلق أيضاً من اقتناع روسيا بضعف الموقف السياسي الأميركي في ملفات المنطقة نتيجة لتصرفات الإدارة الحالية، سواء في الاتفاق مع إيران غير المرغوبة إقليمياً أو من خلال عدم الحسم في العديد من الملفات مثل «داعش» ودعم الميليشيات الشيعية في العراق في الصراع الطائفي.

يبقى أن التطورات الأخيرة التي حصلت في المنطقة وتمخضت عنها تغيرات في مواقف واشنطن تجاه حلفائها التقليديين، مثل الاتفاقية النووية مع إيران وقانون «جاستا»، وتمخضت أيضاً عن ارتفاع الصوت الروسي في المنطقة، أمور تتطلب من العرب الانتباه في ما يحدث حولهم، لأن تأثيرات التطورات ليست في صالحهم، والتوقف قليلاً لمراجعة خلافتهم حتى لا تستمر حالة «النزيف السياسي العربي»!

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com