«كلمة حق» في إيران
«كلمة حق» في إيران«كلمة حق» في إيران

«كلمة حق» في إيران

محمد خلفان الصوافي

رد عادل الجبير، وزير خارجية السعودية، على المزاعم الإيرانية التي حملت اتهامات مبطنة للمملكة بدعم الإرهاب، لم يكن مجرد صفعة وجه للدبلوماسي الإيراني فقط، وإنما هو رسالة مهمة يوجهها إلى القيادة السياسية في طهران ملخصها: أنه يجب نسيان «الخجل الخليجي» في التعامل مع الجوار الجغرافي الذي استغله بطريقة خطأ، والمهم أن يعي سياسيو إيران الرسالة الخليجية ويفهموها بالشكل الصحيح.

وفي تفاصيل الجدل، أن الدبلوماسي الإيراني قام بمداخلة على محاضرة ألقاها الجبير في مركز «إيغمونت» التابع لوزارة الخارجية البلجيكية، قائلاً: أعتقد أن القول بأن لـ«القاعدة» علاقة بإيران يعد بمثابة دعابة، الجميع لا ينسى أن بن لادن مواطن سعودي، والجميع لا ينسى أن من بين الأشخاص التسعة عشر الذين ارتكبوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر، خمسة عشر منهم سعوديين. المثير في الموضوع أن رد أو «مداعبة» الجبير تميز بقوته الأكاديمية وثقله المعلوماتي مما أعطاه إثارة إعلامية، حيث استعرض أدلة وبراهين تاريخية حول دعم الحكومة الإيرانية للإرهاب في أكثر من مكان في العالم، موضحاً أن هذا الدعم موجود في دستور إيران الثورة سواء من خلال تصدير الثورة أو دعم الأقليات الشيعية.

ملخص رد الجبير الذي أربك سياسيي إيران أن هناك فرقاً بين الإرهابيين الذين يحملون الجنسية السعودية وبين إيران الدولة التي ترعى الإرهاب، الذي بسببه حاصرها العالم وقاطعها دبلوماسياً.

بلاشك أنه ليس هيناً أن يسمع القنصل العام الإيراني كل تلك المعلومات عن دعم بلاده للإرهاب، وأن يذكره أمام حشد من وزراء الخارجية في دول العالم والإعلاميين، فمثلت مداخلته فألاً سيئاً وحدثاً مؤسفاً للسياسة الخارجية الإيرانية، ولاسيما أن تلك المعلومات كانت مادة جاذبة لوسائل الإعلام العالمية، كل هذا لأن الدبلوماسية الإيرانية تعاملت بغباء مع دولة يدرك العالم أنها تعمل مع المجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب. وبصورة عامة لم تعد دول الخليج تسكت أمام «استكبار» إيران وعربدتها السياسية في المنطقة، وقد أخطأت الدبلوماسية الإيرانية في الحساب حين تناولت مسألة من يدعم الإرهاب -بما فيه الإرهاب السني- وشاء حظها العاثر أن تصطدم بواحد من أنجب الدبلوماسيين العرب الذين يجيدون طريقة التعامل مع الخبث السياسي لإيران.

خلال الفترة الماضية تعلم الخليجيون أن الأسلوب الأمثل لإسكات سياسيي إيران هو عدم السكوت على تجاوزاتهم، والرد عليهم بطريقة تؤكد زيف ما يتهمون به الآخرين.

وقراءة تطورات الوضع الإقليمي في الخليج خصوصاً منذ بدء الحملة العسكرية للتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن عززت كثيراً من مواقف الرأي العام العربي وجعلت القيادات العربية أشد حرصاً على الضغط على السياسة الإيرانية، وأثبتت أن دول الخليج باتت عملاقاً إقليمياً يجب إعادة النظر في التعامل معه. ولكن للأسف وكما يتراءى للمراقب أن الحكومة الإيرانية لم تستوعب حتى الآن ضرورة أن ترتفع فوق الذهنية التقليدية وصورها النمطية عن الآخر، وأن تبتعد عن سياسة اللوم وإلقاء التهم، ونسيت أو لعلها تناست أن العالم كله يدرك علاقاتها بالتنظيمات الإرهابية في العالم، وأنها لا تزال تعيش في السياسات الانتهازية التي تمارسها الجماعات الإرهابية.

إن العلاقات الخليجية الإيرانية لا تحتمل المزيد من التعقيدات السياسية بل إنه ينبغي على السياسيين الإيرانيين التخلي عن الغرور في التعامل مع الخليجيين، وأن يكونوا أكثر استعداداً للتعامل مع العهد العربي الجديد الذي يبدأ اليوم واضحاً في العاصمة الموريتانية.

ما خطر على بال الدبلوماسي الإيراني ولا الحضور السياسي أن تؤدي مداخلة القنصل الإيراني إلى فضح نظام ولاية الفقيه عالمياً، حيث ترددت أصداؤه في وسائل الإعلام المختلفة، ثم أن ينتهي الأمر بقرار عربي بتطبيق عقوبات عربية، الأمر الذي يلوح بأن زمن الصمت العربي قد ولّى، وأن القرار السعودي ليس موقف شخص بقدر ما هو قرار دولة اعتادت أن تتصرف بهدوء وروية، وتعتمد سياسة النفَس الطويل مع إيران في أغلب الأحوال، ومن ثم فإن الموقف السعودي اعتبر موقفاً استثنائياً، ما يعطي انطباعاً بأن غضب الخليج تجاوز معدلاته العادية.

استمرار العقلية السياسية الإيرانية بتوزيع الاتهامات على دول العالم وجيرانه في الخليج باعتبارهم سبباً لتهديد الاستقرار هو أفضل مثال على الغباء السياسي الإيراني، الغباء الذي بات واضحاً أنه يودي بأصحابه إلى التهلكة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com