أربع قراءات لخماسين غزة!
أربع قراءات لخماسين غزة!أربع قراءات لخماسين غزة!

أربع قراءات لخماسين غزة!

القراءة الأولى شعبية وبها قدر كبير من العفوية والبراءة كما أنها انفعالية أيضاً حيث يتولى القلب التفكير وهي رغم عمقها إلا أنها قراءة صامتة تتخللها القشعريرة والدموع، فما من أب لم يتخيل أطفاله وهو يشاهد أشلاء أطفال في مثل أعمارهم وما من جدّ لم ير أحفاده وحفيداته بين هؤلاء، لإدراكهم بأن صدفة المكان فقط هي ما جعل القصف يخطئ بيوتهم وأبناءهم. لهذا كله لا تندرج هذه القراءة الإنسانية في خانة السياسة والايديولوجيات.



والقراءة الثانية ترتهن لموقف سبقها ويمارس نفوذه بالوعي أو اللاوعي عليها وهي ما يسمى في علم النفس الرغائبية أي رؤية الفرد لما يريد أن يراه فقط، لهذا فهي قراءة سياسية يتقاسمها العقل والقلب معاً وتراوح بين الانحياز للضحية وقدر من العتاب وهذه القراءة تتجسد لدى من رأوا في المبادرة المصرية فور صدورها إيقافاً للنزيف وأن كل ما أعقب تلك المبادرة منذ اليوم الأول كان يمكن تفاديه وتداركه.. لكن رغم أن هذه القراءة تندرج في خانة السياسة إلا أنها تبقى أفقية رغم أن المشهد كله ليس كذلك بل هو بانوراما على درجة كبيرة من التعقيد.


والقراءة الثالثة، برغماتية يخلو من أي بعد تراجيدي، حيث تتم المقارنة بواسطة الحاسوب البارد بين عدد القتلى لدى كل طرف، وما يسقط عن عمد وليسوا سهواً من هذه القراءة، هو غياب التكافؤ في القو والأحلاف بحيث انتهت إحدى القراءات التي تنتمي إلى هذا النمط نهاية تضحك حتى البكاء أو تبكي حتى الضحك، حين قال صاحبها إن الخسارة البشرية كانت ثلاثين فلسطينياً على الأقل مقابل إسرائيلي واحد، والخلل الجذري في هذه القراءة الحاسوبية هو التعامل مع الأرقام كما لو أنها صماء فالإسرائيلي الذي يقابل ثلاثين فلسطينياً هو جندي بكامل سلاحه أما الثلاثون فلسطينياً فهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى في المستشفيات وسائقو عربات اسعاف!


والقراءة الرابعة، تتخطى مشاهد الدم والتدمير وانتهاك المساجد والمدارس والمستشفيات، لأنها تبحث وراء المشهد الدرامي الذي يبث باللحم الحي عما يبرهن على صحة موقفها، وبالتالي يبرؤها، لأن من يمارسون هذه القراءة يقولون بأنهم قدموا النصائح وحذروا من المجزرة لكن أحداً لم يسمعهم، وبالتالي فإن هذه القراءة ليست متعسفة فقط بل هي جائرة وسادية وأنانية تخلو من أي إيثار بحيث تصور الفرار على أنه حكمة والعقلانية الباردة على أنها مواعظ وحقيقة الأمر أنها قراءة متواطئة مع العدوان.. ويظل باب غزة بعد رفع الحصار مفتوحاً على مصراعيه لقراءة خامسة يقدمها الشهداء!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com