مدن الصيف: أسطورة الوردة «روزا»
مدن الصيف: أسطورة الوردة «روزا»مدن الصيف: أسطورة الوردة «روزا»

مدن الصيف: أسطورة الوردة «روزا»

سمير عطا الله

بالنسبة إلينا، في ذلك العصر، في ذلك العمر، كانت بعض الأسماء من الخيال. نقرأ لها في شغف ونعتقد أنها مكوَّنة من طين آخر.

ذهبت أزور مقر «روز اليوسف» وكأنني ذاهب إلى متحف من الأضواء والأسماء. لم أكن أفكر أو أحلم بأنني سوف أصبح ذات يوم صديق أحمد بهاء الدين، الذي تعلَّمنا منه الكتابة في الشؤون الدولية. لم أكن أتوقع بأن أطلب من كامل زهيري العمل معنا في «الأنباء». وكان، رحمه الله، يمازحني كلما التقينا: «يا جماعة دا رئيس تحريري».

هؤلاء كانوا رجالا من الخيال. لكن كان هناك ما هو أهم. كانت هناك الأسطورة. والأسطورة كانت يتيمة لبنانية من طرابلس تدعى فاطمة اليوسف. وصلت الإسكندرية في الرابعة عشرة من العمر مع عائلة لبنانية مسافرة إلى البرازيل. تركت العائلة تسافر وحدها وتخلَّفت في هذه المدينة الساحرة.

رعاها مخرج لبناني الأصل يدعى عزيز عيد. صارت فاطمة، المعروفة بـروز، أشهر ممثلة مسرحية في مصر. بل في الشرق. أصبحت تشارك الحلبة مع كبار الأسماء. لكن كل هذا الألق ليس ما كانت تطمح إليه. أسست مجلة «روز اليوسف» كي تساهم في رفع مستوى الفن. ثم جعلتها أول مجلّة سياسية وجعلت من نفسها رائدة من الرواد.

استقطبت اللبنانية الذكيّة ألمع أسماء المرحلة في مصر: محمد التابعي والعقاد ومحمود تيمور والمازني. وأقامت حلفا وطنيا مع مصطفى النحاس باشا، لكن الحلف مع «الوفد» ما لبث أن قُطع وتحولت «روزا» إلى معارضة عنيفة للحزب. لم تتمهل لحظة لتفكر في أنها في نهاية المطاف، سيدة غريبة، أو أنها فنانة سابقة.

لكن تلك كانت مصر، التي تركت «المهاجرين الشوام» يساهمون في تأسيس حركتها الصحافية والفنية. أكثر من 240 مطبوعة أصدر اللبنانيون ما بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بينها «الأهرام» و«الهلال» و«روز اليوسف». لكن السيدة المدللة باسم «روزا» كانت هي الأسطورة. لم تعد فاطمة اليوسف إلى لبنان. كانت تؤلمها ذكريات الطفولة البائسة والأب المفلس الذي تخلّى عنها إلى عائلة مسيحية تتبناها. أحبت مصر وهامت مصر بها. بداية كفنانة أولى، ثم كصحافية أولى.

كلما فكرت في سيرة فاطمة اليوسف تخامرني مجموعة مشاعر من الذهول والإعجاب والانبهار بفتاة هائمة لا ترتضي إلا الموقع الأول في كل مكان، وببلد كبير احتضن مهاجري البلد الصغير بلا حساب، عمالا بسطاء وباشاوات، صناعيين وتجّارا، صحافيين وأدباء، مسرحا وسينما. ثلاث فتيات «مضطهدات» سافرن إلى مصر ليصبحن نجوما: ماري كويني وبديعة مصابني وفاطمة اليوسف. لو بقين في لبنان لربما انتهين عاملات في مصنع. تحية إلى مصر.

إلى اللقاء..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com