رغيف الحلاوة
رغيف الحلاوةرغيف الحلاوة

رغيف الحلاوة

ضربت لبنان خلال الحرب العالمية الأولى مجاعة كبرى كانت أشد هولاً من الحرب، مات الناس في الطرقات وفي الحقول التي التهم زرعها الجراد المتغول.

وهاجر الرجال إلى أي بلاد في الأرض كي يرسلوا الرغيف إلى أهاليهم، وسافر والد سعيد فريحة تاركاً خلفه زوجته وأربعة أطفال٬ أكبرهم سعيد٬ في العاشرة من العمر.

لكن الجوع لا ينتظر رغيف الاغتراب، فلما اشتدت آلامه٬ قررت الأم أن تبيع كل ما لديها وتحمل أطفالها إلى عند أهلها في حماه، وكان كل ما لديها فرشتين وكرسياً.

وبدأ الأربعة رحلة 300 كيلومتر إلى حماه، الصبي الكبير ماشياً٬ وإخوته يتناوبون كتفي الأم، وفي الطريق أهوال٬ وجائعون يتساقطون على جانبي الطرق الجرداء٬ فلم تبَق أعشاب تقيت بقايا الحياة.

وفي النهاية٬ وصلت عائلة الملحمة البطولية إلى حماه، وتوجهت الأم إلى منزل خالها٬ فرحب بهم جميعاً، وتطلع الخال في الصبي الكبير وسأله: ماذا تريد؟ فقال: أريد رغيفاً بالحلاوة، وأعطاه ما يشتري به رغيفاً بالحلاوة، فأسرع إلى أول دكان٬ وخرج منه وهو يهم بأكل السعادة الكبرى، لكن فتى طويل القامة مد يده وخطف الرغيف من فمه ومضى سريعاً، عبثاً حاول الصبي أن يصرخ متوسلاً أن يرد إليه شيئاً من تلك السعادة.

تحول الصبي الجائع فيما بعد إلى واحد من كبار الصحافيين العرب، وكانت ذكريات الطريق إلى حماه تحّرك طموحه، وصورة أمه حاملة أطفالها طوال تلك الطريق توسع صدره، وبعدما نجح كمحرر قرر أن يصبح صاحب مجلة، ثم صاحب أول دار صحافية في لبنان.

وبين الصحافيين الذين برزوا في تلك المرحلة كان عبد الله المشنوق٬ الذي قطع الطريق إلى بيروت بالاتجاه المعاكس٬ إذ جاء إليها من حماه٬ وأنشأ صحيفة «بيروت المساء»٬ أول صحيفة ظهرية في لبنان.

وقامت بينه وبين سعيد فريحة عرى الزمالة والصداقة مًعا٬ يقّرب بينهما الظرف واللماحة وسرعة الخاطر. وكانا إذا حضرا مجلساً تقاسما السيطرة عليه٬ نوادر وذكريات.

وذات مرة بنى عبد الله المشنوق دارة جديدة٬ وقرر أن يدعو إلى الاحتفال بها جميع الأصدقاء٬ بدءاً بسعيد فريحة صاحب «دار الصياد»، تفقد الضيوف المنزل الجديد برفقة صاحبه، ثم توقف سعيد أمام صورة لصديقه أيام الشباب، وخرج سريعاً ليكتب «جعبته» عن الموضوع، الشاب في الصورة كان هو الذي اختطف منه رغيف الحلاوة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com