غسيل على سطح مستوطنة!!
غسيل على سطح مستوطنة!!غسيل على سطح مستوطنة!!

غسيل على سطح مستوطنة!!

خيري منصور

ما من إحصائية دقيقة حتى الآن لعدد الشهداء الفلسطينيين، ليس فقط لأنهم منسيّون، بل لأن استشهادهم قد يتحول ذات يوم الى إدانة، بحيث لو عادوا تجرى محاكمتهم وبالتالي إعدامهم على طريقة الروائي الجزائري الطاهر وطّار في قصته الشهيرة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع».

أتخيل ما يقارب الربع مليون شهيد إذا صحّ هذا الرقم وهم يندلعون الآن من قبورهم كالمردة الذين يندلعون من القمقم، وأراهم يتظاهرون في كل مدن فلسطين وقراها وفي القيعان وعلى السفوح من الجليل الى الخليل لأنهم سمعوا ما سمعنا من تبادل التخوين والتنابز بالخيانات العظمى وليس بالألقاب.

فالغسيل الآن على سطح مستوطنة، لهذا يُخرج المستوطن لسانه للمواطن ويقول له.. أنتم من قتلتم بعضكم، باعترافات قادتكم، وأنتم الذين شرّدتم بعضكم، انها شهادة تبرئة للاحتلال، وكأنه اصبح خارج معادلة الصراع، فثمة من ينوبون عنه في القتل والتجريم.

إن هذا الذي يجري ليس فقط أمامنا، بل تحت أقدامنا هو دراما من طراز فريد، لأنها تختلط بكوميديا سوداء، فلا ندري ما إذا كنَّا نضحك من شدة البكاء أم نبكي من فرط الضحك!!

إن كل علامات الاستفهام والتعجب في لغتنا لا تكفي الآن، فالحابل لم يختلط بالنابل فقط، بل بالقاتل، يحدث هذا والقضية الفلسطينية تهاجر كما هاجر الفلسطينيون من مواقعها القومية ومن كل السياقات التي كانت تلتئم حولها ومن أجلها.

لو سميناه انتحاراً وطنياً، لما كان التعبير دقيقاً ولن يليق بما يحدث، وقد يُعفينا من التعليق فنان من طراز جويا الاسباني أو سلفادور دالي، فالمشهد سريالي بامتياز فلسطيني، ولعل آلاف الشهداء يتقلبون الآن في قبورهم ليسأل كل واحد منهم أخاه من قتله؟ ما دام الدم قد ضاع بين الفصائل لا القبائل هذه المرة..

إن الصّمت على ما نرى ونسمع هو تواطؤ لا يقل عن المساهمة بالقتل والتشريد، فسيل الدم تجاوز الزُّبى، وانكسر الكيل ولم يطفح فقط..

أهذه هي الخاتمة؟ بعد خمسة وستين عاماً من التنكيل والنفي والاقتلاع من الجذور؟

ما يحدث ليس اختلافاً في وجهات نظر أو عتاباً بين إخوة تحولوا الى أعداء، انه تخوين صريح ومباشر على مرأى ومسمع من العالم كله، فالغسيل ما يزال طرياً لأنه منقَّع في الدم، وقد لا يجف الى القيامة حتى هبطت الشمس عليه.

إن المرء في مثل هذه اللحظات لا يجد لديه ما يقوله أكثر مما قاله ابن الأثير حينما تمنى لو أن أمه لم تلده كي يرى ما رأى ويسمع ما سمع..

الآن أُصدِّق كل ما قرأته عن سايكولوجيا الضحية حين تصاب بالعمى، وتصبح خرساء ولم يبق غير القليل من التخوين المتبادل كي تعلن إسرائيل براءتها من دمنا!!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com