أريد أن أموت
أريد أن أموتأريد أن أموت

أريد أن أموت

بدرية البشر

أنا كاتبة ولكني أيضاً أم، وكل مشهد لشاب يخرج في تسجيل ويروي تجربته المؤلمة يتحرك قلب الأم بداخلي وأشعر بالألم من أجله، أعرف أن الشباب هو عمر الحماسة والبحث عن الذات ومحاولة تأكيدها، لكنني أعرف أيضاً أن هناك فطرة سوية هي الأشد حماسة لنصرة الضعيف والوقوف بجانب المظلومين ومساعدة المحتاجين، هي التي تفور في هذه السن، وكل الشباب الذين ضلوا طريقهم أو اهتدوا حرّكتهم هذه القيم، لكن شباب الجماعات الإسلامية المنحرفة لديهم قيمة واحدة عليا تدعو إليها، ولحراكهم نتيجة صماء لا تفسر ما قبلها هي الموت.

«أريد أن أموت، كنت أريد أن أقتل، تمنيت أن أقتل أنا وصديقي، كنت أريد أن ألحق بأخي المقتول في سورية»، هذه العبارات كانت الأشهر في حديث الشاب السعودي سليمان السبيعي الذي سجلته وبثته «العربية» بعد أن عاد من سورية ومعه رشده، يصف فيه صراعاً فكرياً وقيمياً عاشه مع «داعش» و «النصرة» وفصائل القتال هناك، نقل حقائق أتمنى لو تبثها المؤسسات التعليمية والخيرية في المدارس وفي الأسواق مثلما كانت تبث صور الحروب في الشيشان وأفغانستان أيام الحماسة والدعوة للجهاد. هذه المقابلة يجب أن تبث في مدارسنا كي يعرف مراهقونا وشبابنا أي مصير ينتظرهم لو أنهم استجابوا لهذا النوع من المغامرات.

هل خان التعبير هؤلاء الشباب الذين تمنوا الموت، فخرجوا للقتال لا يملأ جنباتهم سوى الرغبة في الموت؟ ستقولون مصححين لي إنهم تمنوا الشهادة في سبيل الله. وأنا أقول إني أفهم، لكن الشهادة ليست عبارة مباشرة يقولها المرء وينتهي منها. والشهادة لا تقود إلى واقع وصفه السبيعي حين وجد الفصائل المدعية للإسلام تقاتل بعضها وأنه وجد السعوديين في سورية يقاتلون بعضهم، ووجد أن معظم الشباب المجند يقع بين 20 و25 عاماً.

الإسلام هو دين الفطرة، لهذا فإن الشهادة ليست مصطلحاً منفصلاً عنها، لهذا فإننا لا نتحرك كي نموت بل كي نعيش وننصر الضعفاء، كي نوقف الطغاة، كي ننقذ الأطفال من القتل، كي نسخّر ما منحنا الله من علم وقوة لمساعدة المنكوبين.

الطبيب الفرنسي المسيحي الذي دخل سورية أثناء الثورة قال إنه ذهب كي يساعد الناس الذين ظلمهم القتال في سورية ويعالج الأطفال، لقد تحدث بضمير إنساني لا يختلف معه الدين في شيء، كذلك فعل معظم الصحافيين الغربيين الذين دخلوا سورية كي ينشروا الحقائق، هذه القيم هي ما يحرص الإنسان عليه كي يرقى بوصفه إنساناً، لكن الموت حين يكون هدفاً فهذا ليس سوى عارض سوداوي منحرف يجب أن نفتش عما قبله.

سليمان السبيعي الذي استمعت إلى قصته كان واضحاً وضوح الشمس وقالها هو بصراحة «إن مقتل أخيه الأكبر عبدالحكيم صدمه»، وهو أخ لم تربطه به علاقة حميمة كونه قضى أعواماً في السجن وحين خرج لم يبق مع عائلته سوى أشهر ليفاجأ بعد ذلك بهربه ثم مقتله في سورية. سليمان كان يعيش صدمة الموت، خصوصاً حين تكون هذه التجربة مع قريب مثل أخ. لهذا تحول سليمان من شاب هازل يروي الطرائف في برنامج «كيك» دائخاً من شهرة منحها له «كيك» إلى شاب يشغله كيف يموت ويلحق بأخيه، وبحسب وصفه فقد اتخذ قرار السفر إلى سورية فجأة وفي أقل من ساعة.

النضال الإنساني مربوط بالتعاطف مع الناس، والأديان جاءت لتعلي من هذه القيم مثل نصرة الضعيف ووقف الظلم، لكن الفصائل المتحمسة للقتال لم تكن تعيش ولا تعلم سوى شهوة القتل، لهذا فإنها كما قال سليمان السبيعي كانت تكفّر بعضها بعضاً كي تجد حجة لتقتل، وهي أيضاً تكذب وتزوّر وتغتصب وتمثل بالجثث من مبدأ ميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة».

أنا سعيدة بنجاة سليمان السبيعي الذي أنقذه الله ثم عقله اليقظ، ولعله شفي بشجاعته وبمواجهة الموت وعاد، كما أتمنى أن يعود لطرافته ولـ «كيك» كي يدافع عن الحياة وعن الشباب المغرر بهم، وعلينا مساعدته.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com