ما العلم إلا ما علمنا
ما العلم إلا ما علمناما العلم إلا ما علمنا

ما العلم إلا ما علمنا

حين دخلت السيارة إلى السعودية في بدايات التحديث مع الملك عبدالعزيز قام أحد الرجال - وفق المرويات الاجتماعية - بتقديم العلف لها ووضعه تحت مقدمتها، ظناً أنها جمل أو شاة تحتاج إلى الغذاء، بهذا العقل القياسي البسيط فُهمت السيارة، وكان هذا الفهم البسيط يتناسب مع العزلة التي عاشها الناس في ذلك الوقت، وافتقاد المعرفة والمعلومات، وبالتالي فهمها. وهذه العزلة تسببت بارتفاع سقف الممنوعات في حياتنا واضطراب التعامل مع الجديد ورفضه، بل وجره إلى ساحة الخروج عن الدين ومحاربة أهله، ولعل أشهر معركة خاضها الملك عبدالعزيز مع جيش المعارضة في موقعة السبلة 1929 استندت إلى تكفير التعامل مع الكفار وعدم محاربتهم، ولم يكن هؤلاء الكفار سوى أهل الكويت والعراق.

السيارة والبرق والهاتف في عهد التأسيس تسببت في صدمة ثقافية لأهل نجد في ذلك الوقت، لكنها تالياً دخلت تاريخ الطرائف، دخول التلفزيون أيضاً تسبب في معركة، ولا تزال الذاكرة الشعبية تعيش مع طرائف مثل تلك المرأة التي غطت وجهها حال خرج المذيع على شاشة التلفزيون. تؤمن الذاكرة الشعبية اليوم بأن الجهل سبب هذه الوقائع، وسببها أيضاً بساطة العقل ومحدوديته في ذلك الوقت، لكنها تقف الموقف ذاته من كل جديد يتجاوز نطاق فهمها، فإن كان الهاتف والفاكس والتلفزيون من عاديات الحياة، فإن الأمر ليس كذلك مع الشبكات الإلكترونية والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، الصدمة الفكرية هي ذاتها، والتحريم هو رد الفعل الاحترازي.

ظللنا نتهرب من مواجهة الفتوى الشهيرة التي تحرم القول بدوران الأرض وكرويتها حتى مات العلماء السلفيون الذين قالوا بهذه الفتوى، وهو ما تسبب بخلق جيل من المعلمين يلجأون لتبرئة ذمتهم حين يشرحون درس دوران الأرض والتذكير بقول الشيخ الذي ينكر هذا القانون الطبيعي ويحرم قوله. اليوم لن تجد من ينكر دوران الأرض وكرويتها، لكن فتاوى التحريم لا تزال تخيط ثوبها فينقضه من يأتي بعدهم لأنهم فهموا أكثر، فهل الحرام مطلق وشمولي وأبدي أم أنه متغير وفق علم صاحبه؟

أمس قرأت خبر مطاردة هيئة الأمر بالمعروف لما عرف بـ «أساور الطاقة»، ووصفها شيخ آخر بأنها تمائم، في هذين الموقفين خلط يشبه تقديم العلف للسيارة، أو يشبه تكفيرك إذا لبست ثوباً أو عباءة لأن من خاطها هو رجل بوذي.

الأساور التي اختلطت على «فريق التحريم» لا تزيد على أي زي أو إكسسوار تساهم الشركات التجارية بترويجه كموضة لا يلزمها أي اعتقاد ديني، فإن كنت تركب سيارة ألمانية فهذا لا يعني أنك تتعبد على الطريقة الألمانية. في مراهقتي كانت الموضة أن نضع على جباهنا خيطاً مثل الهنود الحمر ثم اندثرت، وإذا ما ربط شاب على سبيل الموضة قطعة قماش على معصمه فإنها لا تخدش معتقداته الثابتة بالله، ولا تجعله مشركاً، أما أساور الطاقة الأخرى التي تروّجها بعض شركات الطب البديل لعلاج أمراض الروماتيزم فهي ليس ذات معتقد ديني، فلبسها لا يأتي على سبيل التبرك، بل يقوم على مسلَّمة فيزيائية لم تثبت حتى الآن صحتها، ويكفي أن تجربها حين ترهقك أعراض الروماتيزم فإن لم تفدك فيمكن تركها، وربما أن الاستعانة بخبراء الصحة والعلاج الطبيعي لشرح وظيفتها هو الحل الأمثل لإنقاذ الناس من سرقة أموالهم، بدلاً من حمل الأ‍مر إلى لجنة كبار العلماء الدينية كي يحرموا أمراً يحتاج إلى معرفة فيزيائية متخصصة.

*الحياة

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com