العودة إلى صيد السمك
العودة إلى صيد السمكالعودة إلى صيد السمك

العودة إلى صيد السمك

شهدت في الكويت أوائل الثمانينات، ما عرف بأزمة المناخ، أو السقوط المدوي لسوق الأسهم. في ليلة بدا أن جميع المضاربين رابحون وفي ضحاها اكتشف الجميع أنهم خسروا عشرات أو مئات الملايين. لا يتعلم الإنسان، لا من تجربته ولا من تجربة سواه. الأميركيون خسروا مع مادوف نحو 50 مليار دولار عبر السنين مع أنه كان يكفي أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا واحدا: هل يعقل أن يعطينا الرجل كل هذه الأرباح بدل أن يحتفظ بها؟



آيسلندا، جزيرة هادئة القلب على الرغم من براكينها الأسطورية التي تعطل أحيانا حركة الملاحة الجوية في العالم. كان لها اقتصاد قوي عماده الأول ثروة سمكية بلا حدود، وشيء من سياحة الفضوليين الذين يضمنون مشاهدة بركان ثائر في أي وقت.

فجأة، قال صيادو السمك لأنفسهم، ما هذا التعب، بحر وشباك وأمواج وجليد، فلماذا لا نختصر المسافات عبر سوق الأسهم؟ ترك الصياد مركبه، والأستاذ جامعته، والسائق موقفه.. وهلمَّ إلى البنوك. اغتنى الجميع، على الورق. وفي عام 2008 ضربت العالم هزة مالية كبرى فاستيقظت آيسلندا لتكتشف أنها كلها مفلسة وغارقة في ديون الأجل مثل المناخ.

ما الحل؟ لم يكن بعيدا. يعود كل واحد إلى عمله، ويعود صيد السمك الدخل القومي الأول (60 في المائة). الباقي يتكفل به السياح الفضوليون الهائمون برؤية البراكين تنفث الحمم بلا انقطاع. العام الماضي نما الاقتصاد بمعدل 35 في المائة، وبدأت آيسلندا في تسديد أطنان الديون. وسوف يذهلك أن المعدل نفسه حققته اليونان، بلد البزق المغني و«زوربا» السعيد في لامبالاته. كيف؟ قررت التوقف عن الغناء وحصر «زوربا» في أيام العطلة، وزيادة أيام وساعات العمل.

ماذا تستنتج من الحكايتين؟ أنا، على سذاجتي، أستنتج أن الحل لا يحتاج إلى علماء اقتصاد. كل ما يحتاجه هو العمل. أي عمل. والدليل أن صيد السمك يشكل دخلا قوميا لدولة صغيرة من 320 ألف نسمة. بعض كتّاب آيسلندا أثروا من رواية الحكاية. قبل سنوات طويلة سألت زميلا في باريس عرف بـ«واقعيته» الشديدة: كيف لي أن أحسن وضعي؟ قال: حسِّن عملك. لن تنجح في أي مهنة أخرى سوى هذه. تذكرت نصيحته وأنا أقرأ في «دير شبيغل» عن عودة الآيسلنديين إلى صيد السمك. أحدهم تحدث إلى مراسل المجلة عن رحلة صيد في القطب دامت 40 يوما. الغلة 200 طن ما بين جمبري (روبيان) وهاليبوت، المفلطح.
*عن الشرق الأوسط

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com