الأردن وخطر «داعش» ... بين «التهويل» و«التهوين»
الأردن وخطر «داعش» ... بين «التهويل» و«التهوين»الأردن وخطر «داعش» ... بين «التهويل» و«التهوين»

الأردن وخطر «داعش» ... بين «التهويل» و«التهوين»

من أين تأتي المبالغة في تقدير حجم المخاطر والتهديدات التي تحيط بالأردن، بعد تمكن “داعش” من محافظات العراق الغربية، امتداداً لنفوذها المهيمن في مناطق شمال – شرق سوريا؟

في ظني أن المبالغة تصدر عن مصدرين اثنين، ولكل منها أهدافه وسياقاته المنفصلة عن الآخر ... المصدر الأول، والأكثر نشاطاً في الترويج للأخطار المضخمة والتهديدات المبالغ فيها، هو إسرائيل ... أما المصدر الثاني، فيتمثل في ساسة ووسائل إعلام “محور المقاومة والممانعة”، وتلكم واحدة من مفارقات اللحظة السياسية المشحونة في المنطقة.

لإسرائيل مصلحة في التهويل والمبالغة، أولاً لأنها تجد في “اللحظة الإقليمية” الراهنة، فرصتها للاندماج في “ائتلاف القوى المعتدلة” من عربية (سنيّة) وكردية، لمواجهة إيران وحلفائها وأصدقائها، وهذا هدف قديم – جديد – متجدد لنتنياهو والليكود والائتلاف، خاض تحت شعاراته، آخر حملتين انتخابيتين للكنيست الإسرائيلي.

وثانياً، لأنها تريد توظيف “الحدث العراقي –الداعشي” لخدمة أطماعها في الأرض الفلسطينية المحتلة، فالحديث عن استهداف الأردن، واحتمالات انهياره وانتشار الفوضى في ربوعه، وإعادة نبش سياسة “الجدران” المستمدة من عقلية الغيتو ونظرية القلعة، كلها مقدمات لتأكيد “الحق الإسرائيلي” في الاحتفاظ بغور الأردن والتلال المطلة عليه، وللتمسك باحتلال مناطق واسعة من الضفة الغربية، وإدامة هذا الاحتلال، وفرض ترتيبات أمنية إسرائيلية، محورها الجيش والأمن الإسرائيليين، لا الأمريكان ولا الأطلسي.

وثالثها، البرهنة على النظرية الإسرائيلية التي انتشرت في السنوات العشر الفائتة بشكل خاص، والتي ركّز القائلون بها، على أن الصراع العربي – الإسرائيلي ليس سوى تفصيل صغير، ونزاع متأخر على لائحة أولويات المنطقة، تتقدمه العديد من الصراعات والأولويات، منها إيران وبرنامجها النووي ونفوذها الإقليمي، ومن يدور في فلكها من حكومات ومنظمات وأحزاب (إرهابية)، ومنها الصراع السنيّ – الشيعي، دع عنك إرهاب القاعدة وشقيقاتها وصولاً إلى حماس والجهاد الإسلامي ... وأهم ما في هذه النظرية، أنها تفترض أن لإسرائيل وعديد من الدول العربية، ومن بينها الأردن، مصلحة مشتركة في مواجهة هذه الأخطار والتهديدات، وأنه يتعين عليها أن تعمل سوياً لدرئها وجبهها، وأن أشواطاً واسعة قد قطعت على طريق التعاون والتنسيق بين دولة الاحتلال وكثير من دول المنطقة لتحقيق أهدافها المشتركة، بصرف النظر عن مآلات القضية الفلسطينية وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي.

لذلك كله، رأينا إسرائيل تنحو للمبالغة في تصوير حجم التهديدات والتحديات التي تجابه الأردن، بل وتعرض خدماتها على الأردنيين للدفاع عنهم، باعتبار ذلك مصلحة مشتركة أردنية – إسرائيلية، علماً بأنه كلما توسعت إسرائيل في أحاديثها وعروضها هذه، كلما وفرت ذرائع لخصوم الأردن ومهددي أمنه واستقراره، للمضي في استهدافه وتسويق عملية الاستهداف وتسويغها.

أما المصدر الثاني للتهويل والمبالغة، فيكمن في التصريحات والتغطيات الإعلامية الصادر عن أطراف “محور المقاومة والممانعة” ... لسان حال كثيرين منهم ينطق بالشماتة: الأردن يكاد يحترق بالنار التي أشعلها، أو ساهم في إشعالها من خلال دعمه لجماعة مسلحة وسماحه بتدريبها على أرضه وتسليحها عبر حدوده، وهم بذلك يريدون لرسائلهم أن تصل إلى “ما بعد، ما بعد، الأردن”، إلى السعودية وبعض دول الخليج، التي كانت الأنشط في دعم المعارضة السورية وتمويلها وتسليحها.

لكن عقلاء هذا المحور وساسته الأكثر نضجاً، إنما يستهدفون من وراء حملة التهويل والمبالغة تلك، تحقيق شيء آخر: دفع الأردن إلى التخلي عن بعض تحالفاته العربية والدولية، أو الاحتفاظ بمسافة أوضح وأوسع عنها، والتوجه نحو التقارب مع حكومة المالكي ونظام الرئيس الأسد، والشروع في التنسيق والتعاون مع حكومتي بغداد ودمشق لمواجهة خطر الإرهاب المشترك.

بصرف النظر عن حملات “التهويل” متعددة المصادر، التي يتعرض لها الأردن، من خلال تصوير “داعش” كقوة وتهديد لا رادّ لها، خدمة لأهداف وأغراض ليست خافية على أحد ... فإنه من غير الجائز أن نجابه تحدي “داعش” والإرهاب بمقاربات تتسم بـ “التهوين” من هذه الأخطار أو إنكارها ... في كلتا الحالتين سنجد أنفسنا على الطريق الخطأ ... ونحن من سيدفع الثمن... وربما لهذا السبب قلنا منذ الأيام الأولى لـ “غزوة نينوى” إن الحذر واجب، لكن الفزع ممنوع، ولنا ملء الثقة بقدرة الأردن، شعباً وجيشاً وأجهزة أمنية على التصدي لهذه الأخطار ووأدها في مهدها، ولنا في تجارب الماضي القريب والبعيد، ما يعزز الثقة بالمستقبل والقدرة على الانتصار.

(الدستور)

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com