الدوحة بين العزلة الخليجية والحضن الإيراني
الدوحة بين العزلة الخليجية والحضن الإيرانيالدوحة بين العزلة الخليجية والحضن الإيراني

الدوحة بين العزلة الخليجية والحضن الإيراني

قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تصل فيها علاقات قطر بشركائها في مجلس التعاون،  إلى هذا الدرك ، وقد لا تكون قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية،  والإجراءات العقابية الأخرى التي فرضتها الإمارات والسعودية والبحرين على قطر مألوفة لمن اعتاد دبلوماسية خليجية محافظة، قلما كانت تلجأ إلى نشر الغسيل بهذه الطريقة،  لكن يبدو أن ما أجبر دول المنطقة على هذا المر، ما هو أمر منه.

فدول الخليج الثلاث بقراراتها الدبلوماسية وعقوباتها الاقتصادية ، تلجأ إلى الكي الذي هو آخر الدواء، في مواجهة سياسة قطرية رعناء،  أوصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة، وإلى مرحلة أجبرت الدول الخليجية على البحث عن بدائل، وخيارات أخرى،  لم تكن في الماضي ضمن أجندتها في التعامل الدبلوماسي، خاصة ضمن إطار العمل الخليجي.

ما اتخذته دول الخليج الثلاث، من إجراءات ليس لأنها ضاقت ذرعا بالتصرفات القطرية فقط ، وليس لأن الدوحة استمرأت التغريد خارج السرب، والخروج على الثوابت، وانتهاك ما ظل محرما ومحصنا، بل لأنها تعبر في قراراتها عن روح جديدة في السياسة الخليجية  القائمة على الحزم في مواجهة التحديات، والسرعة في الاستجابة للمتغيرات، والوضوح في مواجهة الاستفزازات.

رأينا ذلك في البحرين عندما حاولت إيران التدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين بحجة دعم الحقوق السياسية لفئات المعارضة، التي بدت كحصان طروادة الذي يمهد لتدخل إيراني سافر، وتجسد ذلك  في سوريا أيضا، عندما أخذت إيران تتمدد هناك بحجة حماية المقامات والمزارات الشيعية، قبل أن تنكشف مطامعها السافرة، وتزج  بقواتها وقوات تنظيمات حليفة لها لمساندة النظام السوري، وتوج ذلك أخيرا في اليمن بعاصفة الحزم التي استبقت محاولات إيران مد نفوذها هناك .

وخلافا لما يظنه البعض ، فإن العقاب الذي أوقعته دول الخليج بقطر، لم يكن أقسى من الذنب الذي ارتكبته السياسة القطرية، سابقا، أو لاحقا بحق دول المنطقة.

فمن تابع  خلفيات، وتداعيات، وامتدادات الخلاف القطري الخليجي وما رافقه من تصعيد في الخطاب الإعلامي، سيجد مبررات عديدة وأسبابا وجيهة للخطوة الخليجية.

فمنذ تسعينيات القرن الماضي وقطر تلعب دورا تحريضيا على الأنظمة  السياسية، وتتجاوز الثوابت، مرة  بحجة الدفاع عن الحريات، وإشاعة الديمقراطية، ومرة بالضرب على وتر الطائفية، وثالثة باستغلال الأزمات، بأسلوب كيدي، ونرجسية غير مألوفة.

كما أن قطر لم تتوان، عن احتضان ودعم قوى حزبية وتنظيمات مسلحة شكلت تهديدا للأمن الخليجي والقومي، وجعلت منها مخلب قط تستقوي به على دول المنطقة حينا، وتوظفه كأداة لتنفيذ سياساتها المستفزة لدول الجوار حينا آخر.

ورأينا تجليات ذلك في ليبيا واليمن أيضا، فضلا عن مصر التي دفعت ثمنا باهضا من أمنها بسبب احتضان قيادات ورموز جماعة الإخوان.

فوق ذلك فإن سياسة التحالفات المزدوجة التي انتهجتها الدوحة مع طهران، ساهمت في عرقلة مساعي دول الخليج لاحتواء التمدد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى  اليمن والبحرين.

الكرة الآن في مرمى قطر، ومفاتيح الحل في الدوحة وهي أمام خيارات ثلاث:

1- الاستجابة الكاملة لما تطلبه دول الخليج بشكل واضح، وسريع، وهو ما يقتضي تغيير مضامين الخطاب السياسي والإعلامي بما يتوافق مع أمن المنطقة واستقرارها، وما ينسجم مع ثوابتها.

2- المكابرة والاستمرار في الغرور،  حتى لو أدى ذلك إلى عزلها خليجيا، والوقوع في براثن طهران التي تحاول الصيد في مياه الخليج العكرة وتقديم نفسها كحليف بديل عن دول منظومة التعاون.

3- انتفاضة داخلية تعيد هيكلة القرار السياسي القطري، بشكل يعلي مصلحة البلاد، وينتصر لأولوياتها، بعيدا عن رؤى فردية، واجتهادات شخصية.

بين هذه الخيارات سيعيش الخليج مرحلة انتظار قد تطول، لأن ولادة أي تصرف قطري، ستكون ولادة صعبة وعسيرة بسبب وزر ما تحمله الدوحة من تصرفات ماضية، وما ينتظرها من استحقاقات آتية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com