هل تخلت السعودية عن الحذر؟
هل تخلت السعودية عن الحذر؟هل تخلت السعودية عن الحذر؟

هل تخلت السعودية عن الحذر؟

سنوات طويلة، والبعض يصف السياسة السعودية بأنها سياسة مترددة، وبطيئة في الاستجابة للمتغيرات  وأنها أسيرة لصيغة حكم تقليدية، قائمة على إرث ثقيل من الاعتبارات السياسية والاجتماعية والفكرية، عطلت الكثير من برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي، وكبلت دور العديد من المؤسسات الخدمية.

اليوم يتغير توصيف هؤلاء، ويتبدل تقييمهم ، فالذي كان يرى أن مؤسسة الحكم في المملكة، وصلت إلى مرحلة من الترهل والعجز، وقلة الحيلة، يراها اليوم تنتهج سياسة مغامرة ، حد التهور ، و تعمل بجرأة حد الرعونة ، وكأن التغيير لم يكن مطلبهم ومبتغاهم ، أو أنه ليس ضرورة تفرضها متغيرات ملحة، وتحديات ضاغطة.

الذين اعتادوا على استجابة سعودية بطيئة لمشكلات الداخل ، ومخاطر الخارج ، هم الذين فاجأتهم الاتفاقات الأخيرة التي عقدتها المملكة مع الولايات المتحدة خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض، والتي أعادت الحرارة إلى مفاصل العلاقة التاريخية التي ربطت البلدين، وأعطتها عمقًا أضاف إلى تلك العلاقات، شبكة من المصالح الحيوية التي يمكن أن تتحول-إذا أُحسن استثمارها - إلى عوامل ضغط على السياسة الأمريكية، لا في المستوى الثنائي بل على المستوى الإقليمي أيضًا.

السياق الذي تتجدد فيه علاقات الرياض بواشنطن ، لم يتغير في الجوهر، حتى لو تغير في المظهر . وإذا كان ثمة تغيير ملحوظ فإنه في الغالب تعبير عن الروح الجديدة التي سرت في القيادة السعودية منذ أن تم تطعيمها بقدرات شابة، كانت مؤسسة الحكم بحاجة لها وبحاجة لطموحها.

وضخامة أرقام الاتفاقيات التي أبرمت خلال زيارة ترامب للمملكة، ليست أكبر من الأرقام التي كنا نعرفها، أو التي كانت عليها العلاقات الاقتصادية في العقود الماضية. فلو جمعنا ما اشترته الولايات المتحدة من النفط السعودي وما باعته لها من أسلحة وسلع وخدمات ، وما تم توظيفه من استثمارات متبادلة في السنوات العشر الأخيرة، لن يكون أقل بكثير من المبالغ التي تعاقدت عليها المملكة للسنوات العشر القادمة.

الفارق الوحيد أو الرئيس بين أرقام الاتفاقات الجديدة وأرقام العلاقات الاقتصادية القديمة ، هو في نوعية التوظيف ومجالاته.

ففي السنوات الماضية حيث الاقتصاد السعودي ، اقتصاد ريع يعتمد على عائدات النفط لتمويل الخدمات ، وتطوير وبناء المرافق الأساسية والبنى التحتية ، كانت العلاقات محصورة بالنفط مقابل المال ، أو المال مقابل سلع أو سلاح.

أما الآن وفي عهد تتبدل فيه أولويات الممملكة، ويتغير طموحها باتجاه اقتصاد متنوع، وتنمية مستدامة ، فإن الشكل التقليدي من العلاقات الاقتصادية التي تأخذ طابعًا تجاريًا، لم يعد مناسبًا. فالنفط يفقد أهميته النسبية بالتدريج ولن تكون عوائده المالية قادرة على الوفاء باحتياجات السعودية فترة طويلة إذا استمر الصرف والاستثمار على نفس الشاكلة التقليدية .

الأمر المهم أن السعودية وهي تعقد هذه الصفقات الضخمة مع الولايات المتحدة ، تلاقي المستقبل ، وتربط طموحاتها الاقتصادية بهواجسها الأمنية، واحتياجاتها الدفاعية . فبخلاف أن الرياض ستكون شريكة في تصنيع بعض مكونات أو بعض مراحل تصنيع المعدات العسكرية التي تضمنتها صفقات السلاح المتعاقد عليها ، فإن ما سينتج عن هذه الصفقات من شراكات اقتصادية، وانتقال للخبرات ، وللمعرفة والتكنولوجيا ولفترات طويلة سيسهم في تطوير العلاقات السياسية والأمنية بين البلدين ، كون تلك العلاقات ضمانة لديمومة واستمرار تلك الشراكات.

والأمر الأهم في كل ذلك هي انعكاسات هذه الاتفاقات على الداخل السعودي بدءًا من فرص التشغيل العديدة التي ستفتحها المؤسسات والشركات التي تنشأ عن الاتفاقات ، ومرورًا بتطوير منظومات كاملة في حياة المجتمع السعودي كنوعية التعليم ومجالاته ، والمرافق الصحية والخدمات الأساسية ، وهو ما من شأنه تحسين المناخ الاجتماعي والاقتصادي بشكل يمنع محاولات من يسعى لاختطاف شباب المملكة نحو الإرهاب والتطرف.

الجو الاحتفالي الذي اتسمت به زيارة ترامب للسعودية ، لم يكن يعني أن الممملكة وقعت الاتفاقيات الضخمة ، "كرمى لعين الرئيس الأمريكي" ، أو جبرًا لخاطره. فالمملكة تستفيد من الاتفاقيات بنفس القدر إن لم يكن أكثر، فبدلًا من أن تظل مستهلكًا سلبيًا في علاقة ذات نكهة تجارية، أصبحت شريكة في مؤسسات إنتاجية تحفظ وتنمي لها، ما لديها من رؤوس أموال، وتضمن للأجيال المقبلة حقها وحصتها في ثروات شاءت الأقدار أن لا يعيشوا زمنها.

--

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com