بين إصلاح ما أفسده أوباما وتصحيح ما ارتكبه ترامب
بين إصلاح ما أفسده أوباما وتصحيح ما ارتكبه ترامببين إصلاح ما أفسده أوباما وتصحيح ما ارتكبه ترامب

بين إصلاح ما أفسده أوباما وتصحيح ما ارتكبه ترامب

صرفت الغارة الأمريكية على مطار الشعيرات العسكري السوري، الاهتمام عن  ضحايا الضربة الكيماوية التي تعرضت لها بلدة خان شيخون، وبات ضحايا هذه المأساة، ظلا باهتا، أوجزءا من مشهد أوسع غني بالتفاصيل السياسية، والتداعيات  والاحتمالات الإقليمية والدولية .

فالدلائل والمؤشرات والتصريحات التي تلت الغارة تؤكد أن النكهة السياسية،  كانت طاغية على العملية العسكرية الأمريكية، سواء من حيث شكل ومدى العملية أو من حيث الأهداف الظاهرة أو الخفية لها، والتي لا تتناسب مع مستوى النتائج المادية  المتواضعة المتحققة منها.

فبخلاف أن إبلاغ  واشنطن موسكو بالعملية مسبقا، قلص الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالقاعدة الجوية السورية،  فقد تواترت التصريحات عن الطبيعة العقابية للعملية، والتي تجعل منها عملا سياسيا أكثر منه عسكريا  خاصة في ظل تأكيدات أمريكية رسمية على أنه لا توجد خطط لشن غارات أخرى، وأن ما قامت به الولايات المتحدة، هو عملية محسوبة ، ومرسومة، وليس جزءا من ضربات  أوسع وأشمل تعتزم واشنطن شنها على مواقع أخرى للجيش السوري.

النتائج العسكرية المتواضعة التي حققتها الغارة، والتطمينات الأمريكية  التي تلتها، وردة الفعل الروسية المنضبطة نسبيا، على غارة بمثل هذه الحساسية، هي العناصر التي يمكن من خلالها فهم وتقييم  النتائج السياسية المتوقعة من العملية، وتحديد المعنى الذي تحمله، والتداعيات المنتظرة لها، على مسار الأزمة السورية، حلحلة أو تعقيدا، ومدى تأثر الأطراف الإقليمية المختلفة  بتلك التداعيات.

القراءة الأولى للغارة تشير إلى أن الولايات المتحدة طوت –أو على وشك أن تطوي – صفحة موقفها السلبي  والمتردد من الأزمة السورية. ولا يعني ذلك بالضرورة أن واشنطن بصدد لعب دور عسكري جديد، تتجاوز  فيه الدور الذي تلعبه حاليا في شرق سوريا، على تخوم المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، كما لا يبدو أنها ستنخرط عسكريا في الأزمة، إلى المدى الذي يخلق مواجهة بينها وبين الروس، وينسف التفاهمات المكتوبة وغير المكتوبة بينهما بشأن ما يقوم به البلدان في الميدان السوري.

واشنطن من خلال الغارة تحاول إصلاح ما أفسده أوباما عبر مواقف مترددة وسياسات غير مفهومة، وتصحيح الخطأ  الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، عندما أعلنت أن ذهاب الرئيس السوري ليس أولوية لها، وأن هدفها الأول محاربة الإرهاب، وأن مصير الرئيس الأسد يحدده الشعب السوري وغيرها من التصريحات المجانية التي بدت وكأنها شيك على بياض للروس أولا، ولحلفائهم ثانيا، للانفراد بالحسم العسكري وهو ما كان واضحا في حلب وغيرها من المناطق السورية، التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها، والاستفراد  تقريبا بالجهود السياسية لحل الأزمة، سواء في العاصمة الكازاخستانية أستانا أو جينيف، والتي جعلت من الروس  أشبه بأم العروس التي كادت  تنفرد بالمشهد السوري  برمته، مقدمة الاقتراحات ومطلقة المبادرات في كل اتجاه حينا، أو موجهة  الدعوات لكل الأطراف حينا آخر.

الترحيب الدولي، والإقليمي باستعادة واشنطن لزمام المبادرة في الأزمة السورية، يشير إلى أن حسابات ما قبل الغارة ستكون غير ما بعدها، فعلى الرغم من إعلان أمريك أنها لا تنوي توجيه ضربات أخرى على مواقع النظام السوري،  إلا أنه من الواضح، أن ما قامت به واشنطن يمثل سابقة لا يمكن لا للروس ولا لحلفائهم تجاهلها، سواء على صعيد المسار العسكري، أو على صعيد العمل  السياسي.

العملية الأمريكية أعادت ترتيب أوراق الأزمة السورية، لا على أساس ما تحقق للنظام من إنجازات في الميدان، بل ضمن معادلة توازن جديدة تأخذ بعين الاعتبار ظروف المواجهة التي تجري مع داعش والتنظيمات الإرهابية سواء في العراق أو شرق سوريا، و التي تحقق فيها الإدارة الأمريكية تقدما واضحا يجعل من تنظيمات المعارضة السورية الحليفة لواشنطن شريكا فاعلا في البحث عن تسوية مقبولة ومخرج معقول  للأزمة، ويحجم بنفس الوقت دور القوى الإقليمية التي تحاول عرقلة الحل طمعا بنفوذ، أو رغبة بالهيمنة والتوسع.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com